الأحد، 13 يوليو 2014

سعيد يقطين يرد على وزير التعليم العالي: كليات الآداب رفعت شأن المغرب والإبداع في العلوم لا يتم بدون اللغة العربية!

ليس دفاعا عن «الأدبيين»

 

سعيد يقطين
عن مجلة القدس العربي
مشكل الشغل في المغرب ليس مشكلا لغويا ولا أدبيا، ولكنه مشكل سياسي. كما أن مشكل التعليم في المغرب، ليس مشكل الشغل من عدمه إذ لا يمكن عزل مشكل الشغل في المغرب عن مختلف المشاكل التي يتخبط فيها منذ الاستقلال إلى الآن. ليست عندنا فقط بطالة حملة الشهادات، من كليات الآداب، بل عندنا كل أنواع البطالات، ومن كل الكليات العامة والمدارس الخاصة. إن مشكل الشغل لا يختلف عن بقية المشاكل. لكن اعتبار «الأدبيين» خطرا، وادعاء أن الشعب الأدبية لا أهمية ولا قيمة لها، والمعول عليه هو الباكالوريا المهنية أو العلمية، لحل مشكل علاقة التعليم، عموما، والجامعة، بصورة خاصة، بالشغل، فليس سوى تهويم وهروب إلى الأمام.
إن التمييز بين «الأدبي» و»العلمي» و»التقني» و»المهني» ليس وليد اليوم، إذ نجده يمتد إلى فجر الاستقلال. ولا أنسى، أبدا، النظرة التحقيرية التي كانت توجه إلى «الأدبيين» في السبعينيات. كانوا يعتبرون عالة على التعليم المغربي. وأتذكر أنه عندما فتحت «المراكز التربوية الجهوية» في أواسط السبعينيات جاءنا مدير المركز بفاس محفزا التلاميذ على ولوجه ، معطيا لتلاميذ الشعب العلمية والرياضة البدنية فرصة النجاح في المباراة، للالتحاق به، حتى وإن لم يحصلوا على الباكالوريا. وعندما سألته عن طلاب الآداب العصرية، أجاب بأن عليهم، وإن نجحوا في المباراة، أن يحصلوا على شهادة الباكالوريا أيضا؟
فما هي مبررات هذا التمييز التاريخي الذي نجده يتكرر اليوم بالصيغة نفسها، وهل المشكل في الأدب، وكلية الآداب، أم في المنظومة التعليمية والسياسية ككل؟ في هذا السياق أذكر بأن أقسام اللغة العربية وآدابها موجودة في الكليات العريقة في العالم أجمع. وفي هذا خير دليل أن العربية وآدابها ذات بعد تاريخي وإنساني. هذا أولا. وثانيا: إن كليات الآداب والعلوم الإنسانية هي كليات السيادة الوطنية، بمعنى أنها الكليات التي تتصل بواقع المجتمع وقضاياه الاجتماعية والتاريخية والثقافية. إذ لا يمكن «استيراد» من يقوم بها نيابة عنا. أما الكليات العلمية فهي لا تعمل إلا على نقل المعارف والعلوم من الأمم المتقدمة، ولا يمكن في شروط البحث العلمي المتدنية عندنا أن ترتقي هذه العلوم إلى المستوى الدولي.
إن الدور الذي لعبته كلية الآداب في المغرب أكبر مما تقوم به إلى اليوم كل الكليات العلمية والتقنية والمدارس والمعاهد النخبوية والخاصة. فهي مصدر الوجود الثقافي والفكري المغربي، وهي التي بواسطتها صار للمغرب وجود على المستوى العربي والدولي. يكفي أن نذكر محمد بنشريفة وعباس الجراري، والعروي والجابري والخطيبي وطه عبد الرحمن وعبد القادر الفاسي الفهري وجرمان عياش، واللائحة طويلة، وفي كل التخصصات، من الدراسة اللغوية إلى الأدبية، مرورا بالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق، والعلوم الإنسانية، والدراسات الإسلامية. وهؤلاء الرواد لهم امتداد حتى الساعة في كل التخصصات، ويكفي أن نذكر أن كلية الآداب في الرباط أول ناشر في المغرب، وأن أجيال الباحثين المغاربة من الشباب، الآن، رغم الظروف والإكراهات، يفرضون وجودهم داخل المغرب وخارجه. وحين ننظر في مشاركات هؤلاء الشباب المغاربة وحصولهم على الجوائز العربية، في الإبداع والنقد، يتأكد لنا ذلك بجلاء.
كان على المسؤول عن التعليم العالي، بدل أن يقول ما قال في حق كلية الآداب، والأدبيين، أن يقول علينا أن نفتح كليات للرياضات المختلفة، وكليات للفنون الجميلة، وكليات للمسرح وكليات للسينما، وللثقافة الشعبية، وكليات للموسيقى، هذه الكليات تتصل بالإنسان المغربي وثقافته ووجوده. إن مثل هذه الكليات، (وكلها بالمناسبة مفتوحة على سوق الشغل)، هي التي يمكن أن تؤسس للإرتقاء بالإنسان المغربي إلى المستوى الحضاري الذي يخدم خصوصيته الثقافية والفنية، ويعمق صلته بالعصر. ومثل هذه التخصصات لا يمكن أن يضطلع بها الأجنبي نيابة عنا. أما التخصصات المعطاة لها قيمة استثنائية، فلا يمكن لنا الإبداع فيها بدون اللغة العربية، وآدابها. ماذا يقدم لنا مثلا تخصص «المعلوميات» إذا لم يصل طلبتنا إلى إنتاج برمجيات باللغة العربية؟ وقس على ذلك. وفي السياق نفسه، ورغم كل ما يقال عن كليات الطب «المغربية»، وعن العناية والنخبوية التي تعطى لمثل هذه التخصصات، نجد المريض المغربي ما يزال في حاجة إلى الذهاب إلى الخارج للإستشفاء؟
إن خروج مرضانا للإستشفاء في أوروبا لن يدفعنا إلى القول بأن علينا ان نغلق كليات الطب، بل على العكس، يجرنا جرا إلى تأكيد اهتمامنا بكليات الطب، والعمل على تطويرها ليصبح أطباؤنا علماء وفي المستوى العالمي. ويمكن قول الشيء نفسه عن كليات الآداب، وغيرها من الكليات والمدارس، بلا تمييز ولا مـــفــاضلة. إن المــشــكل الحقيقي في الجامعة المغربية، هو مشكل البحث العلمي، ليصبح عندنا علماء في اللغة والأدب والإنسان والاجتماع والنفس، يقارعون نظراءهم في الجامعات العالمية. هذا هو الطموح الذي يجعلنا نؤسس فعلا لجامعات حقيقية، تشارك في «إنتاج المعرفة»، وتسهم في إنتاج المجتمع المعرفي.
ناقد مغربي
سعيد يقطين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

قراءنا الكرام في مدونة المختار نلتقي، وبالحوار الهادف نرتقي