تأصيل الأصيل ومحاورة الحداثة: قراءة في ديوان أزيز الصمت

في الملحق الثقافي لجريدة العلم ليوم الخميس 2 أبريل 2020 تقرأون هذه الدراسة القيمة التي أنجزها الناقد مصطفى فرحات لديوان أزيز الصمت

التفاعل التأملي:دراسة في تلقي القدامى شعر أبي تمام - المختار السعيدي

عن دار تموز للطباعة والنشر بسوريا؛ الطبعة الأولى 2020

صدور ديواني الثاني: الرحيل، أغنيات التيه في جنة الضياع

عن دار القلم بالرباط صدر ديواني الثاني "الرحيل: أغنيات التيه في جنة الضياع" الديوان تجدونه في المكتبات: الرباط: دار الأمان + الألفية الثالثة فاس: مكتبة الفجر تازة: مكتبة السوسي اخترت لكم هذا النص وهو القصيدة الأخيرة من الديوان:

الدهشة الجمالية

عن مطبعة عين برانت بوجدة ومنشورات جمعية الضاد صدر كتابي "تفاعل الدهشة الجماليةدراسة في تلقي شعر أبي تمام من لدن معاصريه" مقدمة الكتاب

التلقي المنتج

عن دار الأنوار بوجدة صدر كتابي النقدي الأول المعنون بالتلقي المنتج

الجمعة، 27 فبراير 2015

تطوير المناهج الدراسية و التحولات في المشهد التربوي المعاصر - د. محمد الدريج



 (المصدر: صفحة د. الدريج على الفيس بوك)

حدث في العشرين سنة الأخيرة تحول في المشهد التربوي , تمثل أساسا في تغيير الباحثين لمجالات اهتمامهم و ابتعادهم عن الخوض في العديد من المواضيع من مثل الأهداف التربوية , و النقاش الساخن حول موضوع السلطة و النظام داخل المؤسسات التعليمية... فاتجهت البحوث للانشغال ببعض القضايا الجديدة- القديمة, من مثل قضية التمركز حول المتعلم وموضوع طبيعة التعلم و آلياته, والعودة للاهتمام مجددا بالمعرفة و بمحتويات التدريس و بالتنظيمات المنهاجية لمضامينه وغيرها. مما ساهم في ظهور نماذج لمناهج جديدة ، سنعمل على التعريف بها في هذه المداخلة .
كما أن تطور التربية حاليا ، يتميز بعودة الاهتمام بالعنصر البشري وبروز دوره بشكل جديد . إن ما يميز المخطط و الإداري و المرشد و الموجه و المعلم في وقتنا الحاضر ، هو المواجهة المستمرة للمستجدات و للمواقف غير المتوقعة و اتخاذ القرار . كما أصبح عملهم يتميز بالسعي الحثيث نحو تعديل السلوك والتكيف مع تحولات الواقع وضغوطات العمل اليومي ومسايرة في نفس الآن ، ما يصيب المناهج التعليمية من تجديد و تطوير .
فإلى أي حد يتمكن هؤلاء المهنيون ، من التفوق في هذه المواجهة و ينجحون في استيعاب المستجدات و مسايرة مقتضيات تطوير المناهج و تحديث أساليب التخطيط و العمل ؟ وما هي السبل الملائمة لجعلهم يندمجون في العمل بفعالية و يؤدون دورهم التربوي داخل مؤسساتهم بنجاح ؟
كما ظهرت عناية كبيرة بالمدرسة كمؤسسة و نشطت البحوث التي تهتم بشروط تحويل المدارس إلى مؤسسات ، لها نوع من الاستقلال في اتخاذ القرار على مستوى التجديد التربوي و المساهمة الفعلية في إرساء دعائمه و المبادرة في تنظيم مشروع المؤسسة و المنهاج المندمج للمؤسسة ، وعقد اتفاقيات التعاون و الشراكة مع فعاليات المجتمع المحلي وإشراك أولياء التلاميذ و المهنيين من حرفيين وتجار وفلاحين و غيرهم ، في الرفع من مستوى الأداء التربوي- التعليمي والمساهمة في تنمية المحيط الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي .
و نشطت و بموازاة التقدم التكنولوجي ، دراسات تتناول مختلف أوجه الاستفادة من التكنولوجيا في مجال التربية وتوظيفها لتحسين أداء المدرسة والمدرسين.فاكتسحت تكنولوجيا الاتصال و المعلوميات مجال التعليم ليس كوسائل فحسب بل كأسلوب في التفكير وتنظيم العمل ، فظهر المنهاج التكنولوجي .
ثم ما أصبح يميز المشهد التربوي الحاضر، هو ميلاد جديد أو عودة للاهتمام على مستوى الدراسة و البحث , بقيم التربية و بعدها الأخلاقي " مدرسة القيم " , بعدما سادت منذ الثمانينات من القرن الماضي النزعة التقنية والنموذج التكنولوجي في التعليم، فظهر ما يعرف بالمنهاج الإنساني و المنهاج الأخلاقي .
هذه بعض أهم المستجدات التربوية و التي كان لها بالغ الأثر في تطوير الأنظمة التعليمية على الصعيد العالمي ، سنعمل على التعريف بها في هذه الورقة و مناقشتها في إطار واقعنا التعليمي واحتياجات مجتمعاتنا العربية الإسلامية و ما نصبوا إليه من تعليم للمستقبل ، و ذلك من خلال العناوين الأربعة التالية :
1- تعريف المنهاج الدراسي ورسم حدوده و مستوياته.
2- تطوير المنهاج الدراسي ، معناه ودواعيه .
3- المنهاج و التحولات في المشهد التربوي العالمي .
4- تنظيمات معاصرة للمنهاج الدراسي .

- 1 - تعريف المنهاج الدراسي ورسم حدوده ومستوياته
1.1- التعريف
كانت البرامج الدراسية الرسمية إلى عهد قريب ، تختزل في لوائح المواد و المواضيع التي يتم تدريسها في مختلف المستويات التعليمية . كما كانت تختصر في جداول و استعمالات الزمن تحدد التوزيع الأسبوعي لتلك المواد . فعمل الرواد الأوائل في تخطيط البرامج ، وحتى يثبتوا تميزهم عن هذا التقليد الذي يولي أهمية كبرى لمحتويات التدريس ، على التركيز على التلميذ بدل المادة الدراسية و محتوياتها ، فنحتوا مصطلح المنهاج curriculum ) ) و الذي يعرفونه بشكل عام ، بكونه " مجموع تجارب الحياة الضرورية لنمو التلميذ " و بكونه أيضا " جملة ما تقدمه المدرسة من معارف و مهارات و اتجاهات ... لمساعدة المتعلم ، على النمو المتوازن و السليم في جميع جوانب شخصيته " .
و تبقى تلبية مطالب النمو رهينة دائما ، بطبيعة الحال ، باكتساب المعارف و المهارات و الاتجاهات ، شريطة أن يتم ذلك بمراعاة لاحتياجات المتعلم و خصوصياته وبتوافق تام مع إعداده للمشاركة المسئولة في الحياة داخل المجتمع .
على أن مراعاة خصوصيات الطلاب و العمل على تلبية احتياجاتهم يطرح إشكالا معقدا ، يمكن التعبير عنه من خلال التساؤلات التالية :
- لمن يعود أمر اتخاذ القرار في ضبط تلك الاحتياجات و تحديد الأسبقيات ؟ وكيف يتخذ القرار؟ وما هي آليات التنفيذ ؟
يبدو من الواضح ومن خلال هذا الإشكال ، أن بناء المنهاج ليس مجرد مسألة تقنية ولا يطرح قضايا إجرائية فحسب ، بل يطرح بناء المنهاج وتطويره كذلك و في المقام الأول ، قضايا فلسفية و سياسية واجتماعية وثقافية ، حيث تتدخل المبادئ و الانتماءات و جماعات الضغط . مما يفسر ويبرر في نفس الآن ،إلحاح معظم الباحثين على تفصيل الحديث ، في بدايات تقاريرهم و مؤلفاتهم ، عن الأسس الفلسفية و الاجتماعية و المعرفية و النفسية وغيرها ، في تصميم المناهج وتطويرها.

2.1- مستويات المنهاج
درج الباحثون التربويون في العقدين الأخيرين ، على الحديث عن ثلاثة مستويات لتخطيط المنهاج الدراسي و تطويره :
المستوى الأول هو تخطيط المنهاج على الصعيد الوطني ( المنهاج القومي الرسمي )، والذي يوضع بإشراف من المصالح المختصة بالوزارة الوصية على التعليم . وأهم ما يميز المنهاج على هذا المستوى هو طابعه الشمولي و الموحد و تركيزه على المبادئ الأساسية و ترجمة فلسفة المجتمع و قيمه ومثله العليا و تشخيصها من خلال التوجيهات الرسمية و المذكرات والكتب المدرسية وغيرها .
المستوى الثاني يكمن في تشخيص المنهاج الرسمي و إعادة صياغته عند محاولة تنفيذ التوجيهات والمذكرات الوزارية، بمراعاة خصوصيات كل مؤسسة و إمكانياتها و الاحتياجات المحلية و ظروف حياة الجماعة التي تنتمي إليها.
وعلى هذا المستوى يتحدث المختصون في المناهج التعليمية ، عن المنهاج المندمج للمؤسسة ، و معناه أنه و بالإضافة إلى وجود منهاج رسمي وطني عام وموجه لجميع الطلاب في مختلف الأقاليم ، هناك نوع من المنهاج "المعدل"أ و المكيف و الذي يلائم خصوصيات المؤسسة والخصوصيات الاقتصادية و الثقافية للمنطقة واحتياجات سكانها ...
المستوى الثالث للمنهاج يتمثل في برمجة الخطط الدراسية و تحضير الدروس التي ينجزها كل معلم حسب تخصصه والمستوى الدراسي الذي يتعامل معه . كما يتمثل أيضا ، في النشاط التعليمي الفعلي و أسلوب المعلم في التعامل مع التوجيهات و تنفيذ المقررات . و هنا نصل إلى أدنى مستوى من مستويات المنهاج و أغناها ، على اعتبار أنه يمثل المرحلة " النهائية " و الدقيقة في تأثير المنهاج في شخصية التلميذ وتحقيق أهدافه العامة و الخاصة.

3.1- المنهاج بين التخطيط والتنفيذ
كما يطرح بخصوص تعريف المنهاج و تحديد طبيعته، إشكال آخر يرتبط بالمسافة بين اتخاذ القرار و تنفيذه . الأمر الذي جعل العديد من الباحثين ( وينجرت وجرينبرج ،1996، ووليم عبيد ،1999، ...) يميزون في تصنيفهم للمناهج بين :

- المنهاج المستهدف : أي الذي تتصدره المبادئ و المثل العليا و القيم والأهداف العامة من خلال التوجيهات الرسمية على الصعيد الوطني ؛
- المنهاج المقرر : المتمثل في الكتب المدرسية والذي يأتي مضمونه أقل من المنهاج المستهدف ؛
- المنهاج المنفذ : والذي يتم تدريسه فعلا داخل الفصل فتتراجع نسبته عن المنهج المقرر ؛
- المنهاج المحصل : وهو الحصيلة المتبقية في الأخير لدى التلميذ و تقيسه الاختبارات النهائية و الذي لا يزيد " حجمه " في المتوسط عن 40 % من المنهج المنفذ .
* * *
كما تثار بخصوص تعريف المنهاج و رسم حدوده ومجالات تدخله ، مسألة ما ظهر من المنهاج و ما خفي ( أي ما يعرف بالمنهاج الخفي أو الضمني ) ، وهي مسألة شديدة الحساسية وتتلخص في كون المعلم ( و المدرسة بشكل عام ) ، لا يعلم فقط ما هو مسطر في الوثائق و المذكرات و الدلائل و الكتب المدرسية التي تجسد وتشخص المنهاج الرسمي ولا يلقن فقط الأهداف المعلنة و الصريحة ، وذلك مهما كان حريصا ومهما بلغت درجة عنايته ودقته وتقيده بحرفية النصوص و التوجيهات . بل إنه يعلم بشكل ضمني ، أشياء أخرى ويستهدف عن وعي أو دونه ، أغراض غير معلنة وغير مكتوبة . لماذا ؟
لأنه وكما هو معلوم ،تتشكل لدى المعلم ( والحقيقة لدى جميع الناس ) خلال دراساته وتكوينه الأكاديمي و التربوي و خلال نموه المهني ، قناعات و أفكار خاصة به ، فضلا عما راكمه في شخصيته من تجارب و ما عاينه من خبرات تربوية في مدرسته وداخل أسرته . ويؤلف من كل ذلك " تشكيلة " أو "نظرية تربوية ضمنية " خاصة به ، تقوم بدور الغربال أو المصفاة لكل ما يمر من معلومات وتقنيات وتوجيهات تربوية ... لذلك فهو ينفخ في المنهاج قليلا من عنده ويطبع المقرر بطابع خاص.
ثم إن التلميذ لا يتأثر فقط بما يقوله المربون في المدرسة بل بما يفعلون كذلك، و بالشحنات الوجدانية التي ترافق سلوكهم و أداءهم وأسلوبهم في التعليم .. . كما يتأثرون خلال المدة الطويلة التي يقضونها في المدرسة الأساسية و الثانوية (حوالي 12ألف ساعة ) بزملائهم أثناء اللعب و المذاكرة ويتأثرون بالجو العام السائد في المدرسة و بالأنشطة وبتجارب النجاح والفشل ...
الأمر الذي جعل بعض الباحثين يعتقد ،ربما بنوع من المبالغة ، في أن كثيرا من مخرجات التعليم لم تعد هي المخرجات المستهدفة و لا المتوقعة من المناهج المقررة و المعلنة رسميا .

- 2– تطوير المنهاج ، معناه ودواعيه
1.2- معنى التطوير
يعني التطوير بصفة عامة ، الوصول بالمستهدف المرغوب تطويره ، سواء أكان نظاما أم مؤسسة أم برنامجا ... ، إلى أحسن صورة حتى يؤدي الغرض المطلوب منه بكفاءة ، ويحقق ما رسم له من أهداف على أتم وجه ، بطريقة اقتصادية في الوقت و الجهد و التكاليف . الأمر الذي يستدعي تغييرا في شكله و مضمونه ، تغييرا مقصودا ومنظما نحو الأفضل .
إن التطوير عملية شاملة تنصب على جميع جوانب الموضوع المستهدف . فعند تطوير المناهج الدراسية على سبيل المثال ، لابد أن يشمل التطوير جميع مكوناتها من مقررات و أهداف و طرق ووسائل و كتب مدرسية و أسلوب التقويم ... بل إن التطوير بهذا المعنى ، ينصب على الحياة المدرسية بشتى أبعادها ، فلا يركز فقط على المحتويات العلمية كما كان الأمر في النموذج التقليدي و إنما يتعداها إلى الأنشطة و طبيعة الأداء القيادي و نظام التواصل و علاقات المدرسة بالبيئة والمجتمع المحلي...
ثم إن التطوير عملية ديناميكية ، على اعتبار أن جميع العناصر التي يصيبها التغيير تعمل بتفاعل مستمر ، بحيث يؤثر كل عنصر في العناصر الأخرى ويتأثر بها .
كما أن تطوير المناهج ليس نشاطا آحادي الاتجاه ، من أعلى إلى أسفل ، بل هو نشاط متفاعل يسير في الاتجاهين بشكل متزامن ، من أعلى إلى أسفل و من أسفل إلى أعلى .
كما أن التطوير ليس قرارا سلطويا يفرض من خارج السياق أو فرديا يتولى أمره بضعة أفراد ، بل هو نشاط اجتماعي تعاوني وتشاركي ، نابع من الاحتياجات الحقيقية للأمة و يساهم فيه الجميع ، المخططون على المستوى المركزي و المحلي ، المدرسون ، أولياء التلاميذ ، الموجهون ...
ويرى المشتغلون بنظريات المنهاج ، أن التطوير الناجح للأنظمة التعليمية وإصلاحها لا يمكن أن يتم إلا إذا مس جوهر التنظيم المنهاجي بها . وهذا ما حدث بالفعل عندما ظهرت التنظيمات الحديثة للمنهاج و التي لم تبق حبيسة منهاج المواد الدراسية الذي يتميز بشدة تركيزه على المعلومات و قلة اهتمامه بالتلميذ واحتياجاته و مطالبه في النمو .

2.2- دواعي تطوير المنهاج الدراسي
كثيرة هي الأسباب التي تدعو إلى تطوير المناهج ، فمنها ما يرتبط بسوء وقصور المناهج السائدة ، ومنها ما يرتبط بالتغيرات التي تطرأ على المجتمع و البيئة أو تلك التي تصيب التلاميذ،أو التي تمس النظام التعليمي ذاته ، بحكم تأثير ما يستجد على الساحة التربوية وغيرها كما أسلفنا ( المؤثرات الداخلية ) .
و عموما فإن ما يفسر حدوث التطوير و الإصلاح في المجال التربوي ، هو أن التربية و التعليم نشاط اجتماعي يؤثر فيه المجتمع ويتأثر به . و بما أن المجتمعات تخضع باستمرار للتحول ، فإن التربية كذلك لابد أن تتطور و بشكل مستمر، مما يسمح لها بالتكيف مع الاحتياجات الجديدة . ومن هنا يكون من الخطأ الاعتقاد في إمكانية الانتهاء إلى نموذج تام ومثالي للمنهاج . ذلك أن الأنظمة التعليمية تعمل على التلاؤم باستمرار مع التغيرات في الاحتياجات و الناتجة عن تحول المجتمعات إلى صيغ عصرية .
كما تعود أسباب أخرى إلى مختلف التطورات على الصعيد العالمي و التي تشمل مختلف مناحي الحياة ...
على أن هناك من يذهب إلى التأكيد على المؤثرات الخارجية ( تأثير النظام العالمي أو العولمة ) في تغيير التعليم وتجديد مناهجه . " إن أنظمة الدول – حسب كمال نجيب، 1993– و الاقتصاد و الثقافة المعاصرة ، إن هي إلا تكوينات متطورة صنعتها عمليات عالمية ، صحيح أنها تتأثر بعمليات داخلية ولكنها تتأثر أيضا بعمليات خارجية " .
فيكون من دواعي التطوير حسب هذا الرأي ، الضغوط التي تمارس من خلال المنظمات و البنوك الدولية ووكالات تمويل مشاريع التنمية أو من خلال بعض الجامعات ذات الصيت العالمي أو من خلال الشركات متعددة الجنسيات ...أو مباشرة من بعض الحكومات ...
و بطبيعة الحال لا يفوتنا أن نشير هنا ، إلى ازدياد الدراسات التي تنبه من مخاطر اقتباس التجديد و استيراد الإصلاح في المجال التربوي و في المنهاج الدراسي وأهدافه العامة على وجه الخصوص ( مخاطر ما يعرف بالتحويل أو النقل التربوي ) دون التأكد من ملاءمته لواقع المجتمع التعليمي المستقبل ، وقابليته للتطبيق . ولن نبالغ حين نقول ، بأن السبب الرئيسي وراء الفشل في مشاريع التجديد و الاصلاح التربوي في الدول النامية ، يعود إلى النقل التربوي ، والذي يؤدي في الغالب ، إلى عدم التحام منظومة الإصلاح الجديدة مع المنظومة التعليمية المحلية فتحدث ردود فعل رافضة للجسم الغريب .( محمد الدريج ، 2004) .

- 3 – تطوير المناهج و التحولات في المشهد التربوي المعاصر
1.3- التركيز على المتعلم
لعل التحول الأكثر بروزا في المشهد التربوي المعاصر , يكمن في السعي نحو نشر فكرة ضرورة تمحور التعليم على المتعلم ذاته. بطبيعة الحال ليس في ذلك تجديد كلي وجذري ,إذ وكما هو معلوم, فإن هذا التيار ميز التربية الحديثة منذ نشأتها أوائل القرن الماضي, حيث ناضلت العديد من المدارس الحديثة في التربية وبصفة خاصة التربية المؤسساتية, ضد التعلم الذي يقوم على أسلوب الإلقاء – التلقي . وضد غلبة العملية التعليمية على حساب العملية التعلمية ( التعليم على حساب التعلم).
كما نشط بعض الباحثين في اتجاه تعميم فكرة جعل التلميذ في مركز النظام التعليمي هذه الفكرة التي كانت خلال العشرية الماضية وراء العديد من البحوث و المؤلفات و التي تناولت مواضيع من مثل موضوع الوصاية , تفريد المساعدة, العمل الشخصي للتلميذ ، إتقان التعلم ... و السؤال الآن ، هل دخلت هذه الأفكار بالفعل إلى المدارس وهل وجدت طريقها إلى الممارسة وحجرات الدرس ؟ وما هي معيقات التطبيق وصعوباته ؟
إن هذا التمركز حول المتعلم ، خاصة عندما يتشخص فيما يعرف بالتعلم الذاتي , يعني أن التلميذ هو الذي يبني معلوماته وعلمه وأن لا أحد يمكن أن يحل محله و أن يعوضه في هذه العملية . بطبيعة الحال ذلك لا يعني تهميش دور المدرس ، بل بالعكس . إن المدرس يعمل باستمرار على اكتشاف أخطاء التلاميذ في منطقهم الخاص و في أسلوبهم في التفكير وفي أدائهم و إنتاجاتهم الشخصية. و الكشف عن دلالات تلك الأخطاء و بالتالي عن كيفية إصلاحها و تجاوزها . إن الأخطاء أمر طبيعي في عملية التعلم , إنها لم تعد الأغلاط التي تستدعي محاسبة مرتكبيها ومعاقبتهم .إ ن الأخطاء تصبح مؤشرات مفيدة في فهم خصوصيات تفكير التلاميذ وذكائهم و منطقهم الخاص مما يساعد المعلم على تنظيم نشاطه بشكل فعال .( Astolfi J.P. 2001 ) .
وعلى سبيل المثال , فقد أثبتت العديد من الدراسات وجود لدى التلاميذ, وقبل شروعهم في التحصيل , أفكار و تمثلات خاصة عن مختلف المواضيع التي يدرسونها . وهذا ما يحدث بالنسبة لمعظم إن لم نقل لجميع المفاهيم العلمية ، سواء في الأحياء أو الفيزياء و الكيمياء ...مثل الهضم والتغذية والتكاثر والطقس والحرارة وتحول المادة والقوة و التيارات الكهربائية ...
إن الأطفال ومنذ حداثة سنهم يكونون تصورات ويستدخلون تمثلات حول جسمهم وبيئتهم وحول مختلف الظواهر المحيطة بهم . وما نلاحظه هو مقاومة تلك التصورات الشديدة ، لجهود التعليم. تلك المقاومة التي تستمر لديهم لمدة طويلة ودون تغيير يذكر, إلى حين وصولهم إلى الجامعة .
لذلك فمن الضروري العناية بتلك التصورات و التمثلات الخاصة والاهتمام عموما بجميع المكتسبات السابقة للمتعلم , والتي ينبغي إيلاؤها ما تستحقه من عناية، بل وجعلها في قلب النشاط التعليمي . إن التعلم ليس مجرد تراكم للمعلومات ، بل يمر التعلم عبر زعزعة المفاهيم بشكل خاص , وعبر المعالجة النشطة للصعوبات و المعيقات و الأخطاء.
* * *
2.3- التربية الفارقة
يقود الاتجاه المتمركز على المتعلم وبشكل تلقائي, إلى العناية بالخصوصيات و الفروق الفردية و بالتاريخ الشخصي و الاجتماعي للتلميذ . كما يقود إلى العناية بتنويع أساليب التعلم وتوجيهها لتلائم تلك الخصوصيات . إن العناية بالفروق الفردية و الذكاءات المتعددة تجنبنا تهميش أسلوب المتعلمين في التفكير و العمل وتجاهل منطقهم وذكائهم الخاص .
إن المشكل بخصوص أساليب التعلم والمعرفة , يكمن في محاولة تجنب الجمود و التقوقع في أسلوب واحد. وقد يكمن التحدي في كون كل تلميذ قد يحتاج إلى تربية خاصة وربما إلى منهج خاص.
لقد ارتبطت التربية الفارقة ودراسات الفروق الفردية بالعديد من النظريات النفسية الحديثة ، نذكر منها على سبيل المثال نظرية الذكاءات المتعددة و التي ظهرت بسبب عدم اقتناع كثير من علماء النفس بفكرة الذكاء الموحد .( هوار جردنر ،Howard Gardner ,1998 ) وانتهت أبحاثهم إلى تأكيد وجود على الأقل، ثمانية ذكاءات وهي :
- الذكاء اللغوي - الذكاء المنطقي – الرياضي
-الذكاء الجسمي – الحركي - الذكاء البصري – الفضائي
- الذكاء الموسيقي - الذكاء التفاعلي
- الذكاء الذاتي - الذكاء الطبيعي.
و تدعو هذه النظرية المدرسين ، إلى اكتشاف في وقت مبكر، نوع ذكاء طلابهم و ما لديهم جميعا ، من قدرات و ميول ( مهما أظهر بعضهم من علامات الضعف و التخلف الدراسي ) و تنميتها و رعايتها حتى تجعل صاحبها كفأ وبارعا في مجال معين أو مهنة معينة يميل إليها و له القدرة العقلية و المهارية على مزاولتها .
كما كان من نتائج الدراسات في التربية الفارقة التي تقر بوجود فروق بين الطلاب من حيث ميولهم و قدراتهم ، ظهور العديد من النظم المتطورة و تجريبها ميدانيا في العديد من الدول، ولعل من أهما على مستوى التعليم الثانوي :
- التشعيب ؛
- الأخذ بمبدأ المقررات الأساسية و المقررات الاختيارية ؛
- مناهج الصفوف الدراسية ذات القدرات المتعددة أو تجميع التلاميذ في صفوف
حسب قدراتهم.
- تصنيف كل مادة أساسية إلى ثلاثة مستويات يوزع الطلاب عليها وفق قدراتهم
- التعلم الذاتي ؛
- التعلم بالاكتشاف .
- التعلم الإتقاني ، و الذي يقوم على السماح للتلاميذ المتأخرين دراسيا بأن يدرسوا حسب ما يحتاجونه من وقت ( ...)
- تنظيم الحصص بصورة تراعي وتيرة وسرعة التعلم لدى التلاميذ ؛
ولكن الملاحظ هو أن هذه التربية الفارقة وضعت بدورها موضع سؤال ومحاسبة , نظرا لكونها تواجه باستمرار إشكالية عدم تجانس الطلاب في الصفوف و اكتظاظها , الأمر الذي يطرح صعوبات حقيقية أمام المعلمين و الإداريين ، على مستوى الممارسة و التطبيق.
* * *
لقد وجدت مثل هذه الطروحات في العديد من مشاريع إصلاح التعليم وتطوير مناهجه بالدول العربية ، مجالا خصبا للتطبيق والاغتناء .
ويمكننا أن نقدم كمثال على ذلك ، برامج إصلاح التعليم في سلطنة عمان ، حيث عملت المصالح المختصة في وزارة التربية و التعليم ، على إدراج العديد من الطرق والتقنيات من مثل : أسلوب الإكتشاف و أسلوب حل المشكلات في تعليم المفاهيم ، إذ تلح التوجيهات الرسمية ... على ضرورة " التركيز على أن يتحول دور المعلم من دوره التقليدي في تلقين الطلبة المعلومات و الحقائق العلمية ، إلى قائد أوركسترا يوجه فريق المتعلمين إلى اكتشاف مكامن إبداعاتهم و إبراز منابع مواهبهم " . و العناية بالتالي ، بأسلوب حل المشكلات" . انظر بهذا الخصوص و على سبيل المثال ، " دليل المعلم في الفيزياء " ( الصف الثاني الثانوي – علمي ، طبعة 2001 ) ، والذي يقدم نموذجا أصيلا بخطاطة تصف وصفا دقيقا أسلوب حل المشكلات ، قصد تطبيقه في التجريب العملي في مادة الفيزياء .
و يتكرر الحديث عن ضرورة العناية بطبيعة المتعلم بشكل منتظم في معظم الوثائق الرسمية في السلطنة و الخاصة بموضوع المناهج ، و من بينها كتب التوجيهات و دلائل المعلمين ، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال " الحديث عن طبيعة المتعلم و خصائصه الجسمية و العقلية و الانفعالية و الاجتماعية " في دليل المعلم في الأحياء ، ( للصف الأول ثانوي ، 1996) . ونقرأ في دليل المعلم في الفيزياء ،( للصف الثاني الثانوي العلمي ،2001) الحديث عن " التعليم المبرمج كأسلوب لمراعاة الفروق الفردية بين الطلاب " و الأمثلة كثيرة .
و في نفس السياق ، تلح مرئيات الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون بدول الخليج العربية و الخاصة بالتعليم ( بناء على قرار المجلس الأعلى في دورته ال22و الملتئمة يومي 30و31 ديسمبر، 2001 بمسقط ) على ضرورة " تطوير المناهج لتتناسب و خصائص المتعلم الذهنية و النفسية و مراحل تطوره العمري و احتياجات المتعلم و ظروفه المجتمعية ، باعتماد منهجية علمية تقوم على الاستفادة من الأساليب و التقنيات المتبعة في هذا المجال ، و تطوير استراتيجيات التعلم و التعليم بحيث ترتكز على التفكير المستقل و مهارات النقد الذاتي و حل المشكلات و البحث والابتكار و مهارات التفكير العليا ، مع ربط ما يتعلمه الطالب بمشكلات و ظروف تطبيقية ".

3.3- المعارف أم المفاهيم ؟
إن التركيز على المتعلم والعناية باختلاف التلاميذ في قدراتهم وتنوع أساليبهم في التفكير و العمل , لا يتناقض بالضرورة مع التركيز في نفس الوقت , على المعارف و المحتويات المدرسية . لكن هذا لا يعني الحنين إلى الممارسات التقليدية والرجوع إلى تفضيل المعرفة على حساب الأهداف التربوية ، كما هو الحال في النموذج التقليدي المنقرض ، بل اتخذ هذا التوجه منحى الاهتمام بالمفاهيم .
إن المفاهيم لم يعد ينظر إليها كمكونات معرفية نهائية وثابتة بل ينظر إليها باعتبارها إمكانيات أو استعدادات لتفكير غني و فعال وباعتبارها أيضا , أدوات وظيفية (إجرائية وعملية) تفتح أبواب فهم العالم ( الطبيعة و المجتمع ) وشفرات لفك رموز الكون و ظواهره . فتصير المفاهيم العمود الفقري في المواد الدراسية .
إن نجاح أعمال بريت- ماري بات ( 1997 - Britt-Mari Bath ) يشهد على هذا الاهتمام الحالي بالتركيز على المفاهيم , و التي تقترح استراتيجيات لتجنب بقاء الفصل حبيس الأمثلة المدرسية المكررة وأنشطة التطبيق الروتينية .
لكن ما ينبغي التذكير به هنا ، هو أن تعلم المفاهيم ينبغي أن يتم بموازاة مع تعلم أسلوب حل المشكلات , إذ لا يتعلق الأمر فقط بإكساب التلاميذ كيفية حل المشكلات بل يتعلق أيضا بتعليمهم كيفية طرح الأسئلة وصياغة المشكلات .
* * *
و نشير إلى أننا وجدنا بهذا الخصوص ، في المناهج العمانية ، ما يواكب هذه الحقائق و يوظفها في تعليم مختلف المواد الدراسية وخاصة العلوم . ويمكن أن نقرأ على سبيل المثال ، في دليل المعلم في العلوم( للصف الثالث الإعدادي ):
" تمتاز المعرفة العلمية بالوحدة و التكامل ، و التكامل الذي نقصده هو التعامل مع الموقف ككل دون محاولة تجزئته إلى المجالات المتخصصة ، خاصة أن المتعلم في هذه المرحلة ( الإعدادي ) لا يعنيه إذا كانت الطاقة مثلا ، مرتبطة بمجال الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء ، بقدر ما يعنيه معرفة مفهوم الطاقة و أثرها ، ولذلك عولج مفهوم التلوث ككل فهو يحتوي على مفاهيم كيميائية و بيولوجية و فيزيائية متكاملة في وحدة واحدة " .
فيتم النظر إذن ، إلى بعض المواد المتقاربة كحقول أو مجالات واسعة بحيث تصير المفاهيم هي العمود الفقري في تلك المواد. (منهاج التكامل بين المواد و منهاج المجالات الواسعة) ." مما يؤكد أن التكامل بين المواد وفي المحتويات، ينبغي أن يتم أساسا و حسب هذا المنظور ، بالربط بين المفاهيم في مادة دراسية معينة و المفاهيم في المواد الدراسية الأخرى ، مع مراعاة أن ترتبط المفاهيم ، على قدر الإمكان ،بواقع التلميذ وباحتياجاته ".

4.3- المعارف أم الكفايات/ملكات ؟
كما ظهرت تيارات بحثية أخرى ، تفضل التركيز على موضوع الكفايات/ ملكات.
و المقصود بالكفايات " تشكيلة من قدرات معرفية و مهارية ووجدانية ، كلما تمكن الفرد منها إلا وكان قادرا على توظيفها في سياقات كثيرة بعدما ارتبطت في بداية تشكلها واكتسابها بسياق واحد أو بمادة دراسية واحدة ".
ولعل من أهم أسباب النجاح الباهر الذي لقيته تلك التيارات , هو أن الكفايات تتميز عن المعارف من حيث العمل على احترام الرغبة الملحة في تمكين التلميذ من أدوات فكرية قابلة للنقل و التحويل(شبيه بما يعرف في علم النفس التربوي بانتقال أثر التدريب، كانتقال أثر التدريب بين اللغات ، فتعلم إحداها يساعد في تعلم الأخرى ). الأمر الذي لا تسمح به دائما المعارف و محتويات المواد الدراسية . وشكل هذا الاختيار أهم تحد بالنسبة للطرق المعروفة بطرق التربية الفكرية و التي وضعت أساسا لفائدة الجمهور العريض والذي كان يعاني من مشاكل مع المؤسسات المدرسية. وأيضا لفائدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الراشدين الذين لا يتمكنون من التأقلم مع تطور المهن و يعجزون عن تحويل ونقل خبرتهم من مجال تكوينهم الأصلي إلى مجالات مهنية جديدة.
وتهدف تلك الطرق والتقنيات والتي عرفت نجاحا كبيرا في الثمانينات من القرن الماضي , إلى العمل على ولوج وبشكل مباشر , العمليات العقلية وتطويرها ، مع السعي نحو التخلص من إشكالية المعرفة ومحتويات المواد الدراسية. وكمثال على تلك الطرق و التقنيات ، نجد برنامج " الإغناء المفاهيمي " و كذا ما يعرف "بمعامل تطوير التفكير المنطقي " وبرنامج " كورت " في اكساب مهارات التفكير وتنمية المواهب.. .
كما أن الكفايات تتميز و تمتاز عن المهارات المهنية والتي عادة ما تصنف في لوائح جامدة لا تساير التحولات السريعة في مجال المهن ولا تساير ما أصبح مطلوبا من مرونة في العمل.
* * *
لقيت مثل هذه الطروحات أصداء لها في أنظمتنا التعليمية ، إذ نلاحظ أن مدخل الكفايات هو المعتمد حاليا في إعداد برامج تكوين المعلمين بكليات التربية في معظم البلدان العربية بما فيها سلطنة عمان،وإلى عهد قريب كنموذج في التدريس بمنظومتنا قبل العتمة السائدة حاليا ...
لكننا نلاحظ أيضا ، أن هذا المدخل لم ينتقل بعد ، لتنظيم المناهج الدراسية الموجهة للتلاميذ ، ما عدا في عدد محدود من الدول و من بينها المغرب ، حيث ما زالت البرامج تبنى إما وفق المعرفة أو وفق مدخل الأهداف السلوكية وذلك على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي يعاني منها المدرسون و الموجهون التربويون أنفسهم ، في تعاملهم مع المدخل السلوكي ( محمد الدريج ، 2004 ).
و للتذكير فقد أوصى المجتمعون في ندوة "الأوزان النسبية للمواد الدراسية " ، التي أقيمت في مملكة البحرين (10-14 مايو 2003) وشاركت فيها وفود تربوية من جميع دول مجلس التعاون الخليجي ، " بعدم التقيد في بناء المناهج بمدخل واحد فقط أي بالمعرفة أو الأهداف أو الكفايات ، و أوصوا بأن يبنى المنهاج باعتماد هذه المداخل بدون انفصال ، لأنها تكمل بعضها البعض و تعطي قوة للمنهاج ". و أوصوا كذلك " بالبحث في إمكانية دمج بعض المواد الدراسية التي تحقق كفايات متشابهة للاستفادة من الزمن الدراسي للمواد التي تناسب تطور العصر".
كما اقترح المشاركون في المؤتمر الدولي حول تطوير التعليم الثانوي ، الملتئم بمسقط ( أيام 22-24 ديسمبر 2002 ) ، بخصوص نماذج المناهج " أن ما يمكن أن يتعلمه الطالب بشكل فعال في المدرسة ، من الأفضل أن يكون محددا بمجموعة من الكفايات العامة الشاملة و الضرورية لكافة أنواع المهن و القابلة للتطبيق في عدد كبير من الظروف . إن مثل هذه الكفايات بدأت تظهر في عمليات التطوير الأخيرة للأنظمة التعليمية ." ( عن وثيقة تطوير التعليم الثانوي ، منشورات وزارة التربية و التعليم ، مسقط ، مارس 2003 ، ص.10).

4- - تنظيمات معاصرة للمنهاج الدراسي
كما أسلفنا ، يذهب العديد من علماء المنهاج إلى أن التطوير الناجح و الإصلاح الشامل للأنظمة التعليمية ، لا يمكن أن يكتمل إلا إذا شمل نموذج تنظيم منهاجها الدراسي ، فأنجزوا العديد من البحوث التي انتهت إلى اقتراح نماذج لتنظيمات منهاجية جديدة ، تحاول فك العزلة عن المدارس والتي بقيت منغلقة وحبيسة منهاج المواد ، خاصة منهاج المواد المنفصلة والذي يتميز بتركيزه الشديد على المحتويات المعرفية في شتى العلوم و بشكل مستقل ، و التعامل مع المقررات كجزر منعزلة و تهميشه للطلاب وتجاهل فروقهم الفردية واحتياجاتهم وميولهم .
كما أدت تلك الأبحاث إلى تميز ثلاثة منظورات أساسية في بناء و تطوير المناهج ، وهي :
1- المنظور المتمركز على المعرفة .
2- المنظور المتمركز على التلميذ .
3- المنظور المتمركز على المجتمع .

و أفرزت تلك المنظورات ، العديد من المناهج التي أصبحت تستجيب لمختلف التحولات ، خاصة ما ارتبط منها بالتحول في المشهد التربوي . فظهر المنهاج المحوري الذي يركز على احتياجات التلاميذ و مشكلاتهم . كما نشأ المنهاج الفعال و منهاج النشاط و الذي يركز على ميول الطلاب واستعداداتهم و ينطلق من تعريف المنهج باعتباره مجموعة من خبرات مترابطة و متكاملة ، توفرها المدرسة للطلاب ، قصد مساعدتهم على النمو الشامل ، وحيث أن الطالب لا يمكنه المرور بالخبرات إلا إذا قام بنشاط معين ، فمعنى ذلك أن النشاط يصبح أمرا حيويا لا غنى عنه في تحقيق الأهداف التربوية .
كما ظهر منهاج الا ندماج الذي يدمج دمجا كاملا بين مادتين متقاربتين و منهاج المجالات الواسعة و هو المنهاج الذي يدمج عددا من المواد المتقاربة الموضوع في مادة واسعة ( قطب أو مجال ) ، مثل دمج التاريخ و الجغرافيا و التربية الوطنية و الاقتصاد تحت اسم الدراسات الاجتماعية .
وفي العقود الأخيرة كثر الحديث عن أصناف أخرى من المناهج تصنف وفق معايير و منظورات مختلفة ، مثل المنهاج التكنولوجي و منهاج الاتصال التفاعلي و المنهاج الاخلاقي و المنهاج القومي و المنهاج التكعيبي و المنهاج الحلزوني و المنهاج الشمولي و المنهاج العالمي . . . ( انظر للمزيد : وليم عبيد و مجدي عزيز ابراهيم ، 1999وكذلك وليد هوانه 1998 ).
و سنقتصر في هذا العنوان ، على التعريف ببعض التنظيمات المعاصرة للمناهج على سبيل المثال ،وخاصة المنهاج التكنولوجي و ما أثاره من انتقادات تمخض عنها ظهور مناهج أكثرارتباطا بقضايا الإنسان و أقل ميلا إلى التنظيمات الانتاجية و التفكير الآلي و" مكننة " التعليم .

أ - المنهاج التكنولوجي
ارتبط ظهور هذا التنظيم لدى كل من بوبيت Bobbit و بوفان Popham و بيكر Baker و غيرهم ، بالنظر إلى المدرسة على أنها جهاز إنتاجي لا يختلف كثيرا عن المؤسسة الصناعية . و النظر بالتالي إلى المنهاج ، كتعبير عن منظومة إنتاجية تسعى إلى استخدام أساليب التكنولوجيا و ما تقتضيه من تشغيل منطقي للعمليات العقلية في التعليم و التعلم .( محمد الدريج ، 2004) .
كما يدعو أنصار هذا المنهاج ، هيئة التدريس و الهيئة الإدارية للقيام بدور المهندسين التربويين الذين ينظمون و يديرون المنظومة التعليمية لإعداد التلاميذ للمساهمة في تطوير مجتمعهم ؛
و يطالبون بتطويع الاجهزة و المعدات ذات القدرة الفائقة في تخزين وعرض وتحليل و استدعاء المعلومات ، للعملية التعليمية .
و بالرغم من ارتباط المنهج التكنولوجي عادة بالمواد الدراسية المنفصلة ، إلا أنه يسعى إلى تنظيم محتوياتها منطقيا ، و ترتيبها في شكل مهام تعليمية متدرجة ، حيث تجزأ كل مهمة إلى " مهرمات " تعليمية أي مهام جزئية مرتبة ترتيبا هرميا ، بحيث يؤدي التمكن من المهمة الجزئية الأدنى إلى تعلم المهمة الجزئية الأعلى في الترتيب الهرمي .( وليم عبيد ، 1999، ص. 85)
و في السنين الأخيرة اتسع المنهاج التكنولوجي ليشمل مفاهيم و أساليب تربوية معاصرة مما يثبت أن هذا الشكل من التنظيمات المنهاجية ، ينهل بدوره من التحولات في المشهد التربوي العالمي و بشكل خاص من :
- توظيف النظرية السلوكية في التعليم و القول بالأهداف السلوكية – الإجرائية ؛
- التعلم الفردي الإرشادي ؛
- تفريد التعليم لكن بالتركيز من بين الفروق الفردية ، على اختلاف الطلاب في وتيرة (سرعة) التعلم . ( ومن هنا وجب التمييز بين التعليم الفردي المعتمد في هذا المنهاج و بين التعليم الشخصي المعتمد في المنهاج الإنساني ،بمعنى أن المتعلم في الشكل الأول قد يعمل منفردا و لكن المادة التعليمية التي يتعلمها ليست مادة خاصة به بل هي موجهة للجميع، في حين يوضع في المنهاج الإنساني برنامج مختلف لكل فرد)

الأربعاء، 18 فبراير 2015

ديداكتيك اللغة العربية والمقاربة بالكفايات بالسلك الثانوي التأهيلي (النظرية والتطبيق) / مقدمة الكتاب.




                       مقدمة
غالبا ما يجد مدرس اللغة العربية نفسه أمام تحدياتٍ تتعلق بطرائق تحقيق التواصل المعرفي مع الناشئة، تواصلا يروم جودة التعلمات، ويُفضي إلى كسب رهان الفرد والمجتمع. وهو ما تأتي ديداكتيك اللغة العربية للبحث فيه، إذ يعمل هذا العلم على معالجة كيفية تحقيق الأهداف التربوية بالنظر إلى الوسائل والتقنيات الموظفة لأجلها. وبالتحديد، كيفية تدريس برنامج مادة اللغة العربية، خلال سلك الثانوي التأهيلي، بمختلف مشاربه وتعدد معطياته الفنية والبنائية.
تتأطر ديداكتيك اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي ضمن فلسفة تربوية حديثة، حيث إنها تستند إلى بيداغوجيا التّعلُّم، التي تجعل من الإجراءات العملية سبيلا إلى تحقيق أهداف المنهاج، بما فيها الوعي بقدرة اللغة العربية وآدابها، على استيعاب كافة المعارف الحضارية والثقافية، وتوظيفها في التعبير عن الحاجات المتجددة. ولن يتأتى ذلك، إلا بجعل متعلم اللغة العربية، في المرحلة الثانوية التأهيلية، يحرص حرصا شديدا على تكوين ذاتي لشخصيته، إيمانا بمؤهلاته وميولاته المعرفية والسيكولوجية والثقافية، كونها بؤرة العملية التعليمية التعلمية.
إن المقاربة بالكفايات تعمل على تمهير التلميذ حتى يبني معارفه انطلاقا من ذاته، على أن يتم استثمار تلك المكتسبات، مستقبلا، في وضعيات ومناسبات جديدة، تمتد إلى مواد دراسية أخرى، بل إلى ما له علاقة بالحياة بأسرها. حيث إن مختلف الكفايات التي يجب تطويرها لدى المتعلم، بالسلك الثانوي التأهيلي، ذات صلة بما هو تواصلي ومنهجي وثقافي، بالإضافة إلى الكفايات الاستراتيجية والتكنولوجية، كلها تسلح المتعلم ليكون أكثر اقتدارا على الاندماج، بشكل إيجابي، في المجتمع، من خلال الإسهام في بناء صرح التنمية المستدامة للبلاد.
       والجدير بالذكر، أن مؤلف ديداكتيك اللغة العربية والمقاربة بالكفايات بالتعليم الثانوي التأهيلي، يُحيط بتلكم الإجراءات النظرية، بل والعمل على تفسير وتبسيط جملة من المفاهيم، حتى تصبح متناولة لدى المنشغلين بإقراء دروس العربية، ولن يكتفي الكتاب باستعراض نظري للتوجيهات الديداكتيكية، وإنما سيعمل على تجسيدها من خلال جذاذات تطبيقية، تراعي الخطوات المنهجية، وتأخذ بالحسبان الكفايات المستهدفة في كل محور على حدة.
يخوض المؤلَّف أول الأمر في تحديد مجموعة من المفاهيم الأساسية باعتبارها مدخلا إلى ديداكتيك اللغة العربية وفق المقاربة الجديدة القائمة على التعلُّم الذاتي، وسيتم التركيز على ثلاثة مفاهيم: أولها البيداغوجيا، وثانيها الديداكتيك، وثالثها الكفايات. بعدها يتوزع الكتاب إلى فصولٍ أربعة بناء على مكونات برنامج اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي.
سينفرد الفصل الأول بديداكتيك النصوص، حيث التعريف بدينامية القراءة المنهجية، باعتبارها مقاربة فعالة للنصوص الأدبية بمختلف مقوماتها الفنية، إذ تم تقسيمه إلى ستة نصوص هي: النص الشعري، والنص السردي، والنص الوصفي، والنص الحجاجي، والنص المسرحي، والنص النقدي. وهذا التنوع الحاصل في النصوص الأدبية يستلزم تنوعا في التدخل الديداكتيكي كما سنرى. ثم الفصل الثاني الخاص بديداكتيك علوم اللغة، وقد توزع إلى مباحث ثلاثة: أولها ديداكتيك الدرس البلاغي، وثانيها ديداكتيك الدرس النحوي والصرفي، وثالثها ديداكتيك الدرس العروضي؛ وهي دروس مبثوثة في برنامج سلك الثانوي التأهيلي بأكمله، استوجب تدرسيها اعتماد مقاربات منهجية متعددة. ويأتي الفصل الثالث للبحث في ديداكتيك التعبير والإنشاء، للوقوف عند المهارات المكتسبة لدى تلامذة السلك التأهيلي، من خلال الأنشطة المتعددة: الاكتساب والتطبيق والإنتاج والتصحيح، أخذا في الاعتبار تباين الإجراءات العملية المعتمدة خلال كل نشاط. بينما ننتهي في الفصل الرابع إلى ديداكتيك المؤلفات، إذ تم تقسيمه إلى مباحث أربعة وفق المؤلفات المتنوعة، خلال مرحلة السلك الثانوي التأهيلي، فجميعها لا تخرج عن المؤلف الروائي أوالمؤلف السير ذاتي أوالمؤلف المسرحي أوالمؤلف النقدي، فالاختلاف الملحوظ بين المؤلفات المذكورة يستوجب مقاربات منهجية متباينة.
يستدعي التقسيم السالف الذكر الاستناد إلى ديداكتيك كل مكون على حدة، على اعتبار أن فن تدريس كل مكون يستلزم رؤية ديداكتيكية معينة، تعمل على تحديد آليات ووسائل التدخل، لجعل المنتج التعليمي يرقى إلى درجة التلقي والتفاعل الإيجابي، سواء بين المدرس والمتعلم، أو بين المتعلم والمادة الدراسية، إذ إن العناصر المعرفية المقترحة من الوزارة الوصية هي الجسر الرابط بين الأستاذ والمتعلم. لذلك، ينبغي نقل تلك المادة الدراسية نقلا ديداكتيكيا، ينسجم والتوجيهات التربوية القائمة على مقاربات ومنهجيات بيداغوجية حديثة، مرتكزها الأساس تأهيل المتعلمين إلى تكوين شخصية متزنة متسلحة بالقدرات والكفايات المنشودة لتوظيفها في مختلف الوضعيات التي قد تصادفهم.
والملاحظ أننا لم نلتزم تصميما واحدا للجذاذة في الشق التطبيقي، إيمانا منا بحرية التصرف في رسم الجذاذة المستوفية المقاطع البيداغوجية الضرورية، والمتضمنة للإجراءات العملية كما تمليها التوجيهات التربوية القائمة على المقاربة بالكفايات، ويبدو ذلك واضحا عند المقارنة بين جذاذات مختلف المكونات.
ولا جرم أن اختلاف التنوع يحقق إفادة أكثر ويفتح باب الاجتهاد لكافة مدرسي اللغة العربية ليبدعوا في ضوء التوجيهات الموافقة لإجراءات المنهاج التربوي لمادة اللغة العربية، حيث استحضار الأسس الديداكتيكية بأسرها، بما فيها التدرج المنهجي وأجرأة الكفايات وأنشطة التعليم والتعلم، والدعم والتقويم.
وفي الختام نتقدم بالشكر الجزيل لكل من أسهم في إخراج هذا الكتاب، ونخص بالذكر العلامة والخبير التربوي د. محمد الدريج الذي أفادنا بخبرته التربوية الثرية ونصائحه القيمة، وشرفنا بالتقديم لهذا الكتاب، فله منا جزيل الشكر والامتنان.
 المؤلفان:
   دكتور عبد العزيز خلوفـة     دكتور المختار السعيدي

                  27 يوليوز 2014 م / 29 رمضان 1435 هـ



الاثنين، 9 فبراير 2015