تأصيل الأصيل ومحاورة الحداثة: قراءة في ديوان أزيز الصمت

في الملحق الثقافي لجريدة العلم ليوم الخميس 2 أبريل 2020 تقرأون هذه الدراسة القيمة التي أنجزها الناقد مصطفى فرحات لديوان أزيز الصمت

التفاعل التأملي:دراسة في تلقي القدامى شعر أبي تمام - المختار السعيدي

عن دار تموز للطباعة والنشر بسوريا؛ الطبعة الأولى 2020

صدور ديواني الثاني: الرحيل، أغنيات التيه في جنة الضياع

عن دار القلم بالرباط صدر ديواني الثاني "الرحيل: أغنيات التيه في جنة الضياع" الديوان تجدونه في المكتبات: الرباط: دار الأمان + الألفية الثالثة فاس: مكتبة الفجر تازة: مكتبة السوسي اخترت لكم هذا النص وهو القصيدة الأخيرة من الديوان:

الدهشة الجمالية

عن مطبعة عين برانت بوجدة ومنشورات جمعية الضاد صدر كتابي "تفاعل الدهشة الجماليةدراسة في تلقي شعر أبي تمام من لدن معاصريه" مقدمة الكتاب

التلقي المنتج

عن دار الأنوار بوجدة صدر كتابي النقدي الأول المعنون بالتلقي المنتج

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2018

ديوان الرحيل: إصدار جديد

عن دار القلم بالرباط صدر ديواني الثاني 
"الرحيل: أغنيات التيه في جنة الضياع" 
الديوان تجدونه في المكتبات: 
الرباط: دار الأمان + الألفية الثالثة
فاس: مكتبة الفجر
تازة: مكتبة السوسي
اخترت لكم هذا النص وهو القصيدة الأخيرة من الديوان: 

اعتراف ما قبل البداية

أعْترفُ اليوْمَ بأنني اغْترفْتُ من عُيونِك التي بيْن السرابْ
ثمّ اسْتعرْتُها لكيْ أراني صافيا دون حجابْ
شربْتُ منْها جُرْعتيْن واغْتسلْتُ بالْعذابْ
رحلْتُ نحْوي وعَبَرْتُ سِدْرةَ المُحالْ
حتى وجَدْتُني سؤالْ
يَجْلد آهاتِ الجوابْ
فَقُمْتُ واعظا أجُرُّ خيْبتي  خلف العتابْ:
- وبيننا شكُّ ..يقينٌ ...وضبابْ-
"الصَّمْت هاهنا جدالْ
والنقص فضْلٌ وكمالْ
....

هنا التناقضات تزهو باختيالْ
وترْسم الخرابْ
كلوْحةٍ تشكّلتْ من عيْن طفْلةٍ تعاني نوبَةَ اكتئابْ
....
هنا التحرّر احتلالْ
والقاتِلُ السفّاحُ سيِّدُ الرجالْ
هنا تكسّر الصوابْ "
لكنني
عدْتُ ..وفي قلبي تدثّر الحضور بالغيابْ
عدْتُ وفي عيني التي رأتْ بعينك السرابْ
عدْتُ إلى ذاتي..إلى تناقضي...معترفاً بالاِخْتلالْ
عدْتُ ...
أجلْ عدْتُ...
ولكنْ .. .......
.......
عوْدتي ارتحالْ !


الديوان قدم له الشاعر والناقد سعيد ساجد الكرواني بما يلي:
"

تقديم:

        بسم الله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
        لماذا أقدم للقراء الشاعر الجميل المختار السعيدي؟
        لأنك ترى الإسفاف قد هيمن على الساحة الشعرية من دون شعرية أو شاعرية:
        فإما أن تصادف "شعرا" من دون شعور، ليس فيه من ماء الشعر، فهو ـ من ثمة ـ لا حياة فيه، خلا الإيقاع الخارجي الجامد/العَروض.
        وإما أن تصادف صورا ولغة غير اعتيادية، وإيقاعا داخليا على مستوى الحرف والكلم واللسان، على حين تجد فقرا مدقعا في الموسيقى باعتبارها إيقاعا خارجيا.
        أما شاعرنا الجميل المختار السعيدي فقد جمع بين ما أسميهما بالصدقين: الصدق الفني والصدق الموضوعي.
        أنى له ذلك؟
        كل أولئك جاء من دراسته العلمية في تاريخ الأدب العربي حيث تناول العصر العباسي بالدرس في شخص أبي تمام، تقدم بها لنيل الدكتوراه الوطنية المستحقة ـ فقد اطلعت عليها ـ كلا وأجزاء؛ بله تمرسه بالأدب الحديث واللسانيات والنقد المعاصر؛ على سبيل الخصوص نظرية التلقي من خلال عَلَمَيْها: ياوس وإيزر. فضلا عن قراءته لكثير من الشعر في مختلِف العصور.
        وهو ـ مع هذا وذاك ـ متمكن من أدواته، يعشق اللغة العربية وإيقاعاتها كافة، وقد ألف في العروض ليسهّل ـ لمن شاء ـ أن يخاصم ما يسمى بقصيدة النثر، وليسهم في درء الإسفاف المومأ إليه أعلاه، وفي درء أسبابه.
        وللقارئ أو المتلقي موعد مع قصيدة تتحدث عن هذه الموضوعة/(النثيرة)؛ وسمها بالمتشردة بما هي مكتنزة مادة وأدبا.
        كما إنه لم يجمد على القديم، بل رأيناه وظف حوارات وسائط التواصل الاجتماعي بطريقة ذكية مواكبة توظيفا جميلا مقنعا؛ خذ على سبيل المثال قصيدته مجنون الفيس ورمزيتها باعتبارها ذريعة إلى الشغف بالحبيب على طريقة مجنون ليلى وبثينة وإليزا وعائشة (...).
يتمتع الشاعر المختار السعيدي بلغة جميلة رشيقة، يقول من خلالها أشياء كثيرة منطلقا من الشكل إلى المضمون، في خصام مع اللغة الاعتيادية، يرفده بصره المكين بالإيقاعين الداخلي والخارجي، فضلا عن بصره بالمستويات الأخر كالنحو/التركيب/ Structure/Syntaxe والصرف والإملاء والصوت والمعجم بكل مستوياته، واللغة والأدب والبلاغة بأقانيمها الثلاثة، معاني وبيانا وبديعا، يتسرب إليه أحيانا قليلة الأنموذج الحداثوي[1] إلا أنه سرعان ما ينتبه إليه ليلفظه فلا يلقطه، وبما أن الحداثة حداثات فإنه يحترس ألا يجري وراء الغرب بعجره وبجره بل تراه ينتقي ما يوافق حضارته ومدنيته وثقافته التي يعتز بها أيما اعتزاز. يأخذ من البلاغة الحديثة واللسانيات والسيمياء أحسن ما فيها جمالية ورمزية ووظيفية بله النظرية.
   المختار السعيدي شاعر ودارس وقد تظافر الوصفان وتضافرا وتظاهرا ليؤازر كل منهما الآخر في تناسق رائق وتناسب جميل. قلت: له لغة متينة جاءت وجاء معها من عالم أبي تمام وأصنائه، فعلا كعبا في فن القول وقول الشعر.
   نلحظ – في ديوان الرحيل -  أن البداية المتن والمحبوب الهامش، ومثل الحب المغتال كمثل اغتيال الحرية[2]، كلاهما استعارة مكنية وإسناد بلاغي تشخيصي. أما مجنون الفضاء الأزرق أو الجدار فطريقة معاصرة مواكبة لإظهار العاطفة الجياشة تُجاه المحبوب عبر التعبير بالذريعة إليها. وقد كان العرب والغرب في القديم والحديث ينعتون بالمجانين إذا ما شغفوا عشقا وهياما واصطلاما، نضرب لذلك أمثالا من مجنون ليلى ولبنى وعائشة وإليزا وغيرهم.
وقد توحي عتبة أزيلي الجدار بالحقيقة والمجاز، بيد أن الثاني هو القصد لأن الأمر يتعلق بالشعر والأدب كما جاء في القرآن الكريم من قصة موسى والخضر عليهما السلام: (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه)[3].
وقد سبقت الإشارة إلى المتشردة بوصفها قناعا للنثيرة أو القصيدة، وقد أحسن الشاعر إذ عجن الحقيقة بالمجاز والمجاز بالحقيقة مما يذكرنا بالحلوي ومحمد بن إبراهيم ومصطفى لطفي المنفلوطي حين تحدثوا عن ذوات الفاقة والعوز والحاجة. وقد اشتهرت:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها      تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابـهـا رثـة والـرجـل حافـيـة      والـدمـع تـذرفـه فـي الـخـد عـيـنــاهـا
ولقد أوشكت المسيرة الحمراء أن تنطق الخضراء إيهاما وتداعيا عرفيا مألوفا، لكن الأحمر غير الأخضر فلكل منهما إحالاته وهوامشه وظلاله.
وبعد الأسرة المفهومية للرحيل حين تواترت، أعاد الشاعر وأبدأ بوساطة حسن المطلع والمقطع تسهيما بديعيا في العتبة الأولى والأخيرة: أنت هامش البداية وأنت هامش النهاية.
        وعبر مقارنة موجزة من خلال ملاحظة فهرستي الأزيز والرحيل، يتجلى بما لا يدع مجالا للشك أن الشاعر يحاول أن يحكم هندسة مكتوبيه في زمن مبكر على عدة من المستويات:
بدءا بالمعجم الموحي بالموضوعة/Thème الرئيسة في أزيز الصمت ومدلولاته، وفي الرحيل وألفاظه ومفرداته ومعاجمه: وهاك أمثلة من مشتقات الصمت والرحيل والأسرة المفهومية لكليهما:
فأزيز الصمت وجدار الصمت وخليل الصمت واغتيال الحرية معادِلاتها الموضوعية والفنية في الرسالتين والمحاورة البلاغية وزئير المعري.
ومثلها معها في الرحيل حيث الجلاء المتمثل في بداية الرحيل والرحيل ورحلة البداية والمسيرة الحمراء وحان الفراق والسفرين وسأرحل والرحيل وإنني راحل والرحلة والاحتراق، والبُعد ونشيد الوداع واعترافان بعد الرحيل.
        مرورا بالعوامل المشتركة لأن الشاعر هو الشاعر، ولكن ـ والحق يقال ـ ففي كل ديوان شاعر متميز، إذ لو كان الديوانان مطبوعين معا دون تاريخ لما فرقت بينهما إلا من خَلَلِ الجانب الموضوعي لا الفني، لأن الجانب الفني مستو على سوقه فيهما معا. خذ على سبيل المثال:
عتبتان من الأزيز
يقابلهما
ثلاث عتبات من الرحيل
1 ـ الأمل المذبوح
1 ـ الحب المغتال
2 ـ محاورة
2 ـ مناجاة
3 ـ مبارزة
        وقد جيء بذلك التقابل وفاقا ومخالفة شكلا ومضمونا. وهو الأمر الذي يشي بحضور الوعي لدى الخروج مباشرة من الساعة الواحدة. مما لا يتأتى إلا لقلة قليلة من الشعراء أصحاب الإحساس المرهف.
من أجل ذلك ـ ها نحن أولاء ـ ندعوكم ـ بكل فخر واعتزاز ـ إلى هذه المائدة الشعرية الدسمة؛ وإلى هاتيكم الفواكه الناضجة المستطابة.
        عسى أن تسرحوا وتمرحوا في ذياكم البستان الخصب الممرع.

          سعيد ساجد الكرواني شاعر وناقد مغربي.



[1] الواو للنزوع الخاطئ.
[2] - إحدى قصائد الشاعر في ديوانه السابق "أزيز الصمت".
[3] سورة الكهف. الآية 77.