الجمعة، 17 أبريل 2020

ميشيل دوفلي: التعليم في زمن كورونا، ترجمة: عبد الرحيم كلموني



إليكم هذه الترجمة لنص للباحث البيداغوجي الفرنسي ميشيل دوفلي من وحي هذه اللحظة الاستثنائية التي أجبرت ملايين التلاميذ على الانقطاع عن الذهاب إلى المدرسة والاعتكاف في البيت، وهي لحظة تستدعي مساءلة دور المدرسة والأسرة ومحتويات التعليم وأهمية الكفايات الحياتية. قراءة مفيدة(عبد الرحيم كلموني)
في أوقات الحجر الصحي هذه، يصبح بعض الآباء معلمين لأطفالهم، فيدركون، عندئذ، صعوبات هذه المهنة ويكتشفون أنها مهنة حقيقية. فناهيك عن عدد الأطفال الذين يكون المعلم مسؤولاً عن تطوير علاقتهم بالمعرفة، لا يواجه هؤلاء الآباء الصعوبات التي تمثلها العلاقة مع القانون في جعل التلاميذ يكتشفونه ويشاركون في بنائه ويحترمونه. فضلا عن ذلك، فإن التدريس الذي يقومون به ليس، في الغالب، سوى تكرار لسلاسل من التمارين، أو مصاحبة لتقديم مفاهيم واضحة للغاية على أمل أن يكتسبها أطفالهم.
هذا العمل هو أشبه بعمل مدرسي المدارس في القرن التاسع عشر منه بعمل مدرسي اليوم.
لقد كانت الفئة الأولى تهتم فقط بالمعرفة؛ خاصة القراءة والكتابة والحساب. وكانت الكلمتان الأساسيتان هما المعرفة والتلقين.
أما الفئة الثانية فهي مهتمة بالكفايات التخصصية (معارف عملية) في تضافر مع الكفايات العرضانية (بالإنجليزية live skills، وبالفرنسية les compétences de vie...) والتي تسمى "تفكيرا ناقدا"، و"تعاونا"، و"إبداعا"، و"تفاوضا"، و"مشاركة"، و"حل مشكلات"، و"تعاطفا"… إلخ. الانشغال المركزي لمدرسي اليوم هو تمكين التلاميذ من اكتساب الكفايات.
إذا اكتشف الآباء في لحظات الحجر الصحي هذه أن التدريس، لكي يتحقق بشكل تام، يتطلب تكوينا - للتحكم، على الأقل، في معنى المحتوى المراد تدريسه - فإن التوقف عند الأحداث التي يتم نشرها في وسائل الإعلام وتأملها، يمكن أن يسمحا لهم، مع ذلك، بمساءلة محتوى ما ينبغي تدريسه لأبنائهم. أشكال الأنانية الوطنية (تمَّ التنديدُ، قبل أيام بدولة أوروبية قرصنت أقنعة كانت الصين قد بعثت بها إلى دولة أوروبية أخرى)، الشكوكُ المثارةُ إزاء دواء يستخدمه بعض الأطباء دون خضوعه لتجريب كافٍ حول آثاره الجانبية بموجب ذريعة وحيدة هي قسم أبقراط، تصريحات بعض رجال الدين ومن شابههم ( فالفيروس، في نظر السيد هاني رمضان، مدير المركز الإسلامي في جنيف، هو " أن الناس يجاهرون بممارسة الرذيلة، مثل الزنا والخيانة الزوجية ، مما يؤدي إلى ظهور أمراض وأوبئة جديدة ") ، ورفضُ بعض مواطنينا احترام إجراءات الحجر الصحي باسم الحرية الفردية، ويمكننا إيراد مزيد من الأمثلة، كل هذه الحقائق ترجح إمكانية استفادة المدرسة من الاهتمام بالمهارات الحياتية.
التعاون (للعيش في تضامن مع من يشاركنا نفس المعتقد الديني)، والتفكير الناقد (من أجل الاحتياط من الأخبار الزائفة المحتملة)، وصنع القرار (بعد جرد ما هو ممكن، وما هو محتمل، وما هو أكيد)، وحل المشكلات (المشكلات المستجدة في هذه الفترات الصعبة من حيث النشاط البدني ، وحياة القرب الأسري، والإكراهات الاقتصادية والصحية، وما إلى ذلك) والإبداع (لابتكارِ وسائل للاستجابة لهذه المواقف الجديدة)، تُعَدُّ كل هذه الكفايات الحياتية محتوى تعليميا ينبغي أن يكتسبه المتعلم بمقدار ما يكتسبه من معارف مجزأة، تم فصلها عن مصدرها، وعن الفائدة المتوخاة منها، وباختصار، عن معناها.
هذا الاهتمام بالمهارات الحياتية، التي قد أتاحت لنا هذه اللحظة الإحساس بأهميتها، يدعونا إلى عدم تصورها في انفصال عن المعرفة التخصصية المألوفة. فالتعاون لا يتم في المطلق، بل داخل عمل نقيس معناه بمقدار المعرفة التي ينطوي عليها. وحل المشكلات لا يحصل بدون المعارف اللازم استخدامها.
حين تنهار كل القيم - التي تجعلنا، نحن النساءَ والرجالَ، مهتمين وسعداء بالعيش مع نساء ورجال آخرين مختلفين عنا باختلاف ثقافتهم -، حين تتآكل هذه القيم وتتلاشى، تصير الإديولوجياتُ وما تعتقده بوصفه حقيقةَ تدعي وحدَها امتلاكَها، والأديانُ التي ترى أن كل شيء قد تم تدوينه سلفا و تكفي إعادة قراءته، وكل أنواع الأنانية (تصيرُ) ملاذاتٍ يتم اللجوءُ إليها. يجب تطوير المهارات الحياتية، أكثر من أي وقت مضى، لدى تلاميذ المدارس، وعلى مستوى الأطفال داخل الأسر، وعلى مستوى المواطنين وأيضًا ... على مستوى الدول وحاكميها.
ميشل دوفلاي
M.Develay

23 مارس 2020
ترجمة عبد الرحيم كلموني

0 التعليقات:

إرسال تعليق

قراءنا الكرام في مدونة المختار نلتقي، وبالحوار الهادف نرتقي