الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

محاولات التجديد في علم العروض: الاتجاه الرقمي، مقتطف من كتاب "تطوير ديدكتيك درس العروض بالتعليم الثانوي التأهيلي"/ المختار السعيدي




الاتجاه الرقمي




مما لاشك فيه أن لغة الأرقام قد تبدو مغرية في علم العروض، لأنه أقرب علوم اللغة العربية إلى الدقة مما ينسجم والطبيعة الرقمية، ولعل أولى المحاولات الرائدة في هذا المجال بدأت منذ سبعينات القرن الماضي؛ من خلال محاولة محمد طارق الكاتب[1]،  وسنركز في عرض نظريته على ما له علاقة بطبيعة هذه الدراسة فنبين أولا الأرقام ودلالاتها، ثم تعامله مع الزحافات والعلل، ونختم بتحديد الطريقة التي يقترحها للوصول إلى نوع البحر الشعري من خلال السلسلة الرقمية.

يوظف الباحث الأرقام الثنائية والعشرية في ترميز المتحركات والسواكن، حيث إن الحرف المتحرك وضع له رمز الصفر بالأرقام الثنائية والعشرية، أما الحرف الساكن فيقابله الرقم 1 بالصيغتين الثنائية والعشرية، بينما رمز لكل من السبب الخفيف والوتد المجموع والفاصلة الصغرى والفاصلة الكبرى ثنائيا بالأرقام 10 و100، و1000، و10000، وعشريا بالأرقام: 2و 4، و8، و16، على التوالي[2].

وانطلاقا من هذه المقاطع الصغرى تنتظم التفعيلات المشهورة وفق الترميز الرقمي  الثنائي والعشري التالي[3]:

جدول الترميز الرقمي الثنائي والعشري للتفعيلات الخليلية عند طارق الكاتب

التفعيلة الخليلية
ترميزها الثنائي
ترميزها العشري
فعولن
10100
24
فاعلن
10010
42
متفاعلن
1001000
48
مفاعلتن
1000100
84
مفاعيلن
1010100
224
فاعلاتن
1010010
242
مستفعلن
1001010
422
مفعولات
0101010
0222



ويشرح الكاتب الزحافات التي تمس الأسباب، ويعمل على الجمع بينها، ما دامت تنتظم وفق منطق رياضي خاص، فعلى سبيل المثال: يجمع بين الخبن والطي والقبض والكف، لأنها تتشابه في حذف حرف ساكن، ويصنف الزحافات إلى صنفين: الزحاف المفرد والزحاف المركب، ويلخص الصنف الأول في ثلاثة أنواع: أولها حذف حرف ساكن من خلال الخبن والطي والقبض والكف، وثانيها تسكين حرف متحرك عبر زحافي الإضمار والعصب، وثالثها حذف حرف متحرك من خلال زحافي الوقص والعقل[4].

بينما يقسم الصنف الثاني (الزحاف المركب) إلى نوعين: أولهما حذف حرفين ساكنين، ويشمل الخبل والشكل؛ وثانيهما تسكين حرف متحرك يليه حذف حرف ساكن، ويشمل الخزل والنقص[5].

والأمر نفسه فعله في العلل، فجمع في علل الزيادة بين التذييل والتسبيغ بإضافة العدد الثنائي والعشري 1 إذ يشمل البسيط والكامل والرجز والرمل والسريع والمتدارك، أما الترفيل وهو زيادة الرقم العشري 10 (الثنائي 2) فيشمل بحري الكامل والمتدارك[6]. وعلى النهج ذاته عمل على تقليص علل النقص[7].

والجدير بالذكر أن نظرية الكاتب تقوم في الأساس على عد الأحرف المتحركة في كل شطر، وهي تتراوح إجمالا بين خمسة عشر حرفا متحركا وسبعة أحرف متحركة، مما ينتج تسعة أنواع، ويرى الباحث أن اعتماد هذا الأساس يمكن من إعادة كتابة جميع أنواع بحور الشعر العربي في جداول تسهل معرفة وزن البيت والزحافات والاستثناءات المسموح بها في ذلك البحر، وكذا معرفة الأخطاء، فتغدو عملية وزن بيت الشعر العربي عملية مبسطة مبنية على جداول جاهزة[8].

ومن ثمة يقدم الكاتب ثلاثة وعشرين جدولا تتضمنها الأنواع التسعة السالفة، مما يعني أن بعض الأنواع قد تتضمن أكثر من جدول؛ فإذا أخذنا على سبيل المثال النوع الثامن[9] المكون من ثمان حركات، نلفي أربعة جداول فرعية تتضمن كافة الاحتمالات للبحور الشعرية، ففي الجدول الأول[10]،  نلفي الهزج والرجز والرمل موزعة  عبر خمسة احتمالات[11]، وفي الجدول الثاني[12]، نجد الرمل والمنسرح والخفيف ضمن خمسة احتمالات أخرى أيضا[13]، أما الجدول الثالث[14] فيتضمن الخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث والمتقارب، عبر خمسة احتمالات أيضا[15]، بينما ينفرد الجدول الرابع[16] ببحر المتقارب من خلال احتمال واحد[17]. ويزداد الأمر تعقيدا حين نلفي الكاتب يحيل في هامش ص 169 إلى الجداول: [(08/4/12) و(10/2/11) و(15/2/10) و(16/3/10) و(17/4/10) و(18/1/9)] وذلك للنظر في بقية الحالات، ناهيك عن ملحوظات وإحالات في متن الجداول.

وخلاصة القول: إن تحديد البحر الشعري يتم عبر الخطوات الآتية[18]:

1 – نكتب البيت أولا مع ملاحظة حركات أحرفه.

2 – نكتب البيت حسب حركات الأحرف بالأرقام الثنائية وما يقابلها بالأرقام العشرية وفق الشروط العامة للكتابة العروضية.

3- نحسب عدد الأحرف المتحركة – أي عدد الأصفار-  في كل شطر.

4 – نأخذ الرقم الأعلى الذي حصلنا عليه لعدد الأحرف المتحركة – الأصفار– في كل شطر، ونرجع إلى الجدول [أو الجداول] الذي يبين ذلك العدد من الحركات.

5 – نبحث في الجدول [أو الجداول] عن الأرقام الثلاثة في كل من الصدر والعجز، فنستنتج البحر والتغييرات الطارئة عليه من خلال تحديد رقم التسلسل.

     ومن إيجابيات هذه الرؤية الرقمية الجديدة أنها تخفف من عبء المصطلحات باعتبارها أكثر ارتباطا بالتجريد الذي يجمع شتات الظواهر المشتركة؛ وهذا ما تجلى مثلا عند الكاتب حين حول التفعيلات إلى أرقام، فتوحدت تشكيلات عدة تفعيلات في صيغة رقمية واحدة مثلما نجد في التشكيلات: فالاتنْ، مسْتفْعلْ، متْفاعلْ، مفْعولنْ التي يختصرها الرقم الثنائي: 10 10 10 والعشري: 222[19]؛ وهذا التيسير انعكس حتما على الزحافات والعلل، وسأقتصر  في هذا المجال على إيراد نص للكاتب على سبيل التمثيل لا الحصر، إذ قال: "وعلى ذلك يمكننا تلخيص حالات الزحاف المفرد إلى الأنواع الثلاثة التالية، وهي غير ملزمة جميعها عند دخولها على الأوزان في حشو الصدر أو العجز:

النوع الأول: حذف حرف ساكن وهي زحافات الخبن والطي والقبض والكف.

النوع الثاني: تسكين حرف متحرك وهما [زحافا][20] الإضمار والعصب.

النوع الثالث: حذف حرف متحرك وهما [زحافا] الوقص والعقل."[21]

غير أنه في المقابل نجد هذه الطريقة تعقد علم العروض بدل أن تبسطه، ولا أدل على ذلك التعقيد من متاهات الجداول التي  تغدو مصدر تشويش وإرهاق للقارئ بدل أن تيسر معرفة الوزن، وهذا ما لاحظه د.كمال أبوديب حين قال: (من هنا يبدو لي أن لعمله كل قصور عمل الخليل، بل إنه ليزيد قصورا لأنه يزداد تعقيدا. فهو لا يمنح القارئ دربة تعينه على تحسس الإيقاع وأبعاده التعبيرية، بل يحيله دائما إلى جداول حسابية لا تؤدي وظيفة أبعد من كشف اسم البحر وتركيبه)[22].

ولعل سبب ذلك التخبط يكمن في إهمال الكاتب لدور الساكن وقيمته الإيقاعية فالساكن كما يقول د. كشك يمثل "مدار الدنة وتركيزها الزمني"[23]، ولهذا فإن "صفة الحركية في النظام الإيقاعي تساويها إن لم تزد عنها قيمة السكون، فالسكون ليس قيمة عدمية حين الرصد الإيقاعي"[24].

ومما تجدر إليه الإشارة في هذا الصدد أن الكاتب يعمل على أن يطابق بين منطقين مختلفين: منطق الرياضيات والحساب من جهة، ومنطق الإيقاع الشعري من جهة ثانية، وذلك حين يقول:

"(ويمكننا القول أيضا إن حذف حرفين ساكنين من الحشو لا يؤثر على قبول موسيقى وإيقاع الشعر، ويلاحظ أيضا في حالة الخبل عند تطبيقه على التفعيلة (مستفعلن) أن الوزن المكون من (1001010) أي (422) وهو (حرف متحرك ثم حرف ساكن ثم حرف متحرك ثم حرف ساكن ثم حرفان متحركان ثم حرف ساكن) قد تحول إلى (10000) أي (16) وهي أربعة أحرف متحركة يليها ساكن، وهي أيضا حاصل ضرب ( 10 X 10X 100) أي (2X 2X 4) = 16"[25]

حيث إن هذا المنطق الرياضي لا يستقيم مع زحافي الإضمار والعصب في كل من الكامل والوافر، فإذا كان الرجز والهزج – مثلا - يحافظان على الأحرف المتحركة رغم الزحاف، ومن ثمة يستقيم ذلك المنطق الرياضي؛ فإن الأمر يختلف مع الكامل والوافر لأن عدد المتحركات سينقص بالإضمار والعصب، وقد كان د. كشك دقيقا في هذه الملاحظة حين قال:

 (وأمر التحويل هنا في حسباني غريب؛ لأن فك الرقم ثمانية [يقصد به االفاصلة الصغرى في الكامل والوافر] عاد بنا إلى رقمين هما (2-2) وحاصل ضربهما لا يشكل كما أرى رقم ثمانية.)[26]

ومن الدراسات المتميزة التي وظفت الأرقام في تحليل عروض الشعر العربي دراسة د. أحمد مستجير الذي يتساءل في مستهل كتابه: "في بحور الشعر: الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي"[27] موضحا علاقة موسيقى الشعر بالرياضيات قائلا:

(من منا لم يحس بأن هناك شيئا من الرياضة في الشعر؟ وأن أمواج بحوره لها شكلها الهندسي المنتظم؟ ألا تعتمد موسيقا الشعر على انتظام حروف متحركة وحروف ساكنة في تتال معين، لا بد وأن يرتبط بالمتواليات الرياضية؟)[28].

ثم يوضح علاقة الشعر بالأرقام مبوئا إياها مكانة أسمى من التفاعيل قائلا:

(الشعر ليس أرقاما – حقا... ولكنا نصفه بالتفاعيل، وهل الشعر في واقعه تفاعيل؟ والأرقام لا تخون، ولكن التفعيل قد يخون!)[29].

ويبرز مستجير هدفه العلمي من الصيغة الرقمية التي تعمل على ربط الشعر بالحاسوب قائلا:

"الواقع أن طريقتي الرقمية لم تخرج على قواعد العروض المعروفة إلا في الشيء القليل – الذي أرجو أن يُسمح به، ولكن تطبيقها يعطي – في رأيي – شكلا أكثر تنسيقا لبحور الشعر، فهي تمكن من التمييز الرقمي لكل بحر عن غيره، ومن معرفة العلاقة، وتبيان القرابة بين بحور الشعر بعضها لبعض، ومن وضع هذه الأبحر في مجموعات تسهل الفحص المنهجي لها، كما أنها تفسح المجال أمام الكثير من الدراسات الجديدة، فهي - بكل تأكيد – ستطوع الشعر للحاسب الآلي (الكمبيوتر)."[30]

تننطلق نظرية مستجير الرقمية من اعتبار عدد المتحركات في شطر البحر التام، معتبرا إياها 12 متحركا[31] ، ومن ثمة 12 سببا خفيفا، لذا فهو يميز بين التفعيلات الرباعية والتفعيلات الثلاثية، علما أن الوصف العددي هنا يرتبط بالأسباب لا بالحروف.

ومن هنا فإن الشكل الأساسي أو القاعدي للشطر ذي التفعيلات الثلاثة الرباعية سيكون مفعولاتن  [/0/0/0/0] ثلاث مرات؛ وللشطر ذي التفعيلات الأربعة الثلاثية سيكون مفعولن [/0/0/0] أربع مرات[32].

ويفترض مستجير أن التفعيلات الخليلية التي نستعملها في ميزان الشعر قد حُذف ساكن من أحد أسبابها، ويسمي هذا السبب سببا مميزا ويجعله الدليل الرقمي للبحر، فالهزج (مفاعيلن) دليله الرقمي:  (1 5 9)، لأن أصل الشطر يتألف من اثني عشر سببا، والأسباب المميزة تقع في أوائل التفعيلات. وبالطريقة نفسها يستخلص الدليل الرقمي لبحر الرمل      (2 6 10)؛ وأيضا الدليل الرقمي لبحر الرجز  (3 7 11)؛ ثم يضيف بحرا آخر يسميه الدوبيت، ويجعل دليله الرقمي (4  8  12)[33]. ومن هذه البحور الصافية وأدلتها الرقمية يشتق مستجير باقي البحور المختلطة، إذ يضع قاعدة معيارية تتمثل في أنه: (لا يجوز عند استخلاص البحور المختلطة أن يتلو التفعيلة في أي بحر "مولد" إلا التفعيلة السابقة أو اللاحقة لها في الترتيب. وترتيب التفاعيل الرباعية كما رأينا هو: مفاعيلن – فاعلاتن – مستفعلن – مفعولاتُ.)[34]

 ويعترف الباحث بأن طريقته الرقمية تتأطر ضمن النظام العروضي التقليدي، إذ يقول: "فالواقع أن طريقتي الرقمية لم تخرج على قواعد العروض المعروفة إلا في الشيء القليل"[35]، غير أنه يرى بأن تطبيقها يعطي شكلا أكثر تنسيقا لبحور الشعر؛ وإذا ما بحثنا مقصدية مستجير من هذا التنسيق وجدناه يتمثل في:

-     التمييز الرقمي لكل بحر عن غيره.

-     تبيان العلاقة بين بحور الشعر.

-     وضع بحور الشعر العربي في مجموعات تسهل الفحص المنهجي لها.

-     تطويع الشعر للحاسب الآلي[36].

  بيد أن تأمل تلك المزايا يفضي إلى أن التفاعيل ذاتها تقوم بالوظيفة نفسها، بما في ذلك تطويع الشعر للحاسب الآلي؛ على غرار ما فعل المبرمج مختار السيد الصالح عبر مشروع الفراهيدي في الشابكة[37].     

 وحينما يقول مستجير بأن التفاعيل تخون والأرقام لا تخون فإن هذا الحكم يحتاج إلى تمحيص.. ويجعلنا ننساءل: ألا تخون الأرقام أيضا؟

   لا بد في بادئ الأمر من تحديد المقصود بالخيانة.. إذ تعكس التخبط الذي يجده القارئ في تحديد مقاطع الأبيات؛ حيث إن تأمل بيت أبي نواس الذي مثل به:

حامل الهوى تعب == يستخفه الطرب

يمكن أن يخدع القارئ بالتقطيع الآتي[38]: فاعلن مفاعلتن...فاعلن مفاعلتن

بينما تفعيلاته التي تنسجم مع دوائر الخليل هي:

 مفعلات مفتعلن ...مفعلات مفتعلن

والحقيقة أن حكم مستجير السالف يجافي الصواب، ذلك بأن التفعيلات التي ابتدعها الخليل يجب النظر إليها في سياقها من خلال النظام الذي يؤطرها؛ حيث إن النظام التفعيلي لا يعترف بهذا النسق:

فاعلن مفاعلتن...

   بل إن العروضيين قد أسهبوا في إبراز العلاقة بين التفعيلات وعلاقة البحور ببعضها على غرار ما رأيناه في متن هذه الدراسة عند الزمخشري بشكل خاص، بل إن ابن المحلي قد حدد  طريقة جميلة في التمييز بين التفاعيل حين جعل التقطيع قائما على ثنائية الأصل والفرع حيث "لا يوجد جزء أوله وتد حقيقي وجزء أوله سبب في بيت البتة"[39]، وكأني به يقول لأحمد مستجير عن تقطيعه السابق للمقتضب: "فترفض هذا التقطيع لاجتماع الأصول والفروع"[40] !

ومن ثمة يغدو كلام مستجير نوعا من التعسف الذي يعزل الظاهرة عن سياقها العام...

  وإذا سايرنا أحمد مستجير في حكمه وعزلنا أرقامه عن سياقها، لاحظنا أن الأرقام يمكن أن تخون الباحث عن البحر، والغريب في الأمر أن الباحث نفسه يشير إلى أن بيت أبي نواس السالف يمكن أن يكون من المقتضب أو مجزوء الخفيف، ثم يتساءل: "ولكن ماذا يضير لو أنا اعتبرنا هذا البحر (2-4-7) هو مجزوء البحر الناتج عن مزج المتدارك بالمتقارب: متدارك متقارب متقارب."[41]

وهذا يعني أن الأرقام يمكن أن تخون الباحث عن الدليل الرقمي للبحر مادامت هناك عدة احتمالات: المقتضب، ومجزوء الخفيف، ومزج المتدارك بالمتقارب.

علما أن التفعيلات الخليلية التي ابتكرها الخليل تمنع من احتمال انتماء البيت لمجزوء الخفيف؛ ولعل سبب شرود مستجير حين أضاف احتمال مجزوء الخفيف يرجع إلى أن الأرقام قد خانته.. ويرجع كذلك إلى رفضه للوتد المفروق الذي ينسف طريقته؛ لأن الوتد المفروق يبهم السبب المميز، ومن ثمة يوقع الباحث عن الدليل الرقمي في أم أدراص.

وقد أصاب د كشك كبد الحقيقة حين علق على سريع "مستجير" قائلا: (من أجل ذلك إذا ما حق لمستجير أن يرفض هذا النظام الذي أطلق على صورة منه سريع الخليل – عليه أن يرفض أنظمة الخليل الأخرى التي سلم بها؛ وجعلها أساسا لبحثه، ولم ترد مطابقة تماما لواقع أو استعمال.)[42]، ذلك بأن النقد هنا يصيب جوهر النظرية التي تفقد تماسكها الداخلي، حين تهدم بعض الأسس العروضية بحجة عدم الاستعمال، لكنها في المقابل تؤسس منطقا جديدا لم يستعمل فيه شعر صحيح !                         

وهذا ما بدا جليا حين رفض مستجير صورة البسيط التامة وعوضها بالمجتث التام، مما جعل د. كشك يعلق قائلا: "غريب أمر هذا الأساس الذي في قاعدة واحدة يقبل منظورا للمجتث لا استعمال له. ويرفض منظورا آخر هو فاعلن في نهاية البسيط بحجة نأيه عن الاستعمال!"[43].

ومن هنا فإن الخطأ الاستراتيجي في نظرية مستجير يكمن في إهمال الدليل الرقمي لأهم بحرين يتأسس عليهما عروض الشعر العربي: الطويل والبسيط، وعدم إيلائهما المكانة التي تليق بهما في إيقاع الشعر العربي.

وهكذا عرف الدرس العروضي اتجاهات متعددة متداخلة في ما بينها، عملت على محاولة تجاوز الصعوبات التي يثيرها هذا الدرس، سواء أكان ذلك التجاوز من خلال الاعتماد على تطوير الدرس العروضي من داخله كما رأينا في الاتجاه العروضي، أمن من  خلال استثمار علم الموسيقى وربط جسور الوصل معه كما وضحنا في الاتجاه الموسيقي، أم عبر توظيف لغة الأرقام بحثا عن منطق رياضي يدرس علم العروض بشكل علمي كما بينا في الاتجاه الرقمي. ورغم جدة هذه المحاولات وأهميتها فقد ظلت على هامش الدرس الديدكتيكي، ولم تستطع أن تخرج من أسفارها لتطرق أبواب العملية التعليمية التعلمية، ومن ثمة ظل العروض بشكله الخليلي مهيمنا على المنهاج التعليمي، ومسيطرا على الكتب المدرسية، وظلت شكوى المفتشين والمدرسين والمتعلمين من صعوبة هذا الدرس قائمة، وهي شكوى تعكس أزمة حقيقية لدرس العروض في الممارسة الصفية مما سيجليه الشق التطبيقي بصورة أكثر وضوحا.















[1]  - الكاتب محمد طارق، 1971، موازين الشعر العربي باستعمال الأرقام الثنائية، العراق، البصرة، مطبعة مصلحة الموانئ العراقية.
[2] - المرجع نفسه، ص 46,
[3] - الكاتب محمد طارق، مرجع سابق، ص 48، وبذلك يرجع جميع التفعيلات حتى بعد الزحافات والعلل إلى صيغ رقمية متشابهة ينظر الجدول ص  50 وما بعدها ضمن كتابه.
[4] - الكاتب محمد طارق، مرجع سابق، ص 56,
[5] - المرجع نفسه، ص 59,
[6] - الكاتب طارق، مرجع سابق ، ص 60-61-62
[7] - المرجع نفسه، ص 62-63-64.
[8] - المرجع نفسه، ص 141.
[9] - المرجع نفسه ،  ص 146-147، وكذلك من ص 166 إلى ص 169.
[10] - يرقمه الكاتب: 19/1/8 ( يشير الرقم 19 إلى ترتيب الجدول ضمن جداول موازين الشعر العربي، ويشير الرقم 1 إلى رقم الجدول ضمن البحور التي تتضمن ثمان حركات، ويشير الرقم 8 إلى عدد الحركات).
[11] - ثلاثة احتمالات في الهزج (1-العروض والضرب صحيحان. 2- العروض صحيحة والضرب مقصور. 3- العروض صحيحة والضرب محذوف)، والرجز المنهوك الذي عروضه وضربه صحيحان، ثم مجزوء الرمل الذي عروضه وضربه صحيحان. وكل هذه الاحتمالات تتضمن ثمان حركات في الصدر والعجز (8/8)عدا عجزي الهزج في الاحتمال الثاني والاحتمال الثالث، فإنها تتضمن 7 حركات (8/7).
[12] -  يرقمه الكاتب: 20/2/8
[13] - مجزوء الرمل 3 احتمالات (1- العروض صحيحة والضرب مسبغ 8/8 حركات 2- العروض صحيحة والضرب محذوف 8/7حركات . 3- العروض مكفوفة والضرب محذوف 7/7حركات) المنسرح الذي عروضه وضربه موقوفان 8-7/8-7حركات، ثم مجزوء الخفيف الذي عروضه وضربه صحيحان 8-7/8-7 حركات.
[14] - رقمه: 21/3/8.
[15] - مجزوء الخفيف الذي عروضه صحيحة وضربه مقصور: 8-7-6/8-7-6 حركات؛ 2- المضارع الذي عروضه وضربه صحيحان 8-7/8 حركات. 3- المقتضب الذي عروضه وضربه مطويان 8/8 حركات. 4- المجتث الذي عروضه وضربه صحيحان 8-7/8-7 حركات. 4- مجزوء المتقارب الذي عروضه وضربه محذوفان 8/8 حركات.
[16] - رقمه 22/4/8.
[17] - مجزء المتقارب الذي عروضه محذوفة وضربه أبتر 8-7/8-7 حركات.
[18] - الكاتب طارق، مرجع سابق، ص 177-178.
[19] - الكاتب طارق، مرجع سابق، ص 51
[20] - في الأصل: زحافي وهو خطأ  نحوي ظاهر.
[21] - المرجع نفسه، ص 56.
[22] - - أبو ديب كمال، ص 14، وينظر ما بعد هذه الصفحة رصد أبو ديب لإيجابيات وسلبيات عمل الكاتب.
[23] - كشك أحمد، 2004، محاولات للتجديد في إيقاع الشعر، القاهرة، دار غريب،  ص  87.
[24] - المرجع نفسه، ص 87.
[25]   - كشك أحمد، مرجع سابق، ص 57
[26]  - المرجع نفسه ، ص 76.
[27]  - مستجير أحمد، 1980، في بحور الشعر: الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي، القاهرة، مكتبة غريب. [وللباحث كتاب آخر بعنوان: "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي" صدر سنة 1987، لا يختلف في جوهره عن الكتاب السابق].
[28] - مستجير أحمد، مرجع سابق،  ص 14.
[29]  - المرجع نفسه، ص 14.
[30] - المرجع نفسه، ص 15.
[31] - يعد القارئ بالعودة إلى البحور التامة التي لا تحقق هذه الشرط من المتحركات، المرجع السابق، ص 17.
[32] - مستجير أحمد، 1980، ص 18.
[33]  - المرجع نفسه، ص 19-21.
[34] -  المرجع نفسه، ص 27.
[35] - المرجع نفسه، ص 15.
[36] - المرجع نفسه، ص 15.
[37]  -  يقول عن البرنامج: (الفراهيدي نظامٌ حاسوبيٌّ يهدفُ إلى توظيفِ برمجيَّاتِ الحاسبِ الآليِّ في معالجةِ الشِّعرِ العربيِّ عَروضيَّاً (إيقاعيَّاً) بحيث يصبحُ في مقدورِ الآلةِ تشريحُ أيِّ نصٍّ شِعريٍّ (أو غيرِ شِعريٍّ) تشريحاً صحيحاً منَ النَّاحيةِ العروضيَّةِ (الإيقاعيَّةِ), ينظر  http://faraheedy.mukhtar.me/ [تاريخ كتابة الإحالة وزيارة الموقع 23 مارس 2017].
[38]  - وهذه التفعيلات قال بها حازم القرطاجني كما رأينا في الاتجاه العروضي.
[39] - المحلي محمد بن علي – شفاء الغليل في علم الخليل – تحقيق: شعبان صلاح، دار الجيل بيروت ط1 1991 ص 66.
[40]  - نفسه ص 66.
[41] - مستجير أحمد، 1980، مرجع سابق، ص 55، كما يجعل مجزوء المجتث من بحر شوقي (مفعول مفعول مفعو) ص 56.
[42] - كشك أحمد، 2004، مرجع سابق، ص 50.
[43] - كشك أحمد، 2004، مرجع سابق،  ص 53.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

قراءنا الكرام في مدونة المختار نلتقي، وبالحوار الهادف نرتقي