2.واللغة إذا كانت نظاما تواصليا فهي أيضا موضوع للإيديولوجيات المختلفة، موضوع لتقارب الأفراد والشعوب، وأحيانا موضوع للتباعد والنفور، بل قل موضوع للحب والكراهية.
ولذا فإن على الباحثين أن يدرسوا اللغة من جميع هذه الجوانب، بعيدا عن كل عاطفة، بعيدا عن التمجيد أو الاحتقار. ولكن من يستطيع أن يكون موضوعيا في هذا الميدان وهو فرد واقع تحت تأثير هذه اللغة ؟
3.القضايا التي تخص اللغة ناتجة عموما عن التجاور اللغوي. فقد يكون الصراع بين العامية والفصحى، وبين لهجة وأخرى، وبين لغة أهل البلد ولغة أجنبية. والصراع يتجسد في الاختيار، اختيار نظام لغوي بدلا من نظام آخر. وذلك لتلبية حاجيات الفرد أو المجتمع.
بالنسبة للعربية هناك صراع قديم بين العامية والفصحى قد يرجع اليوم إلى الواجهة. ولكن هذا الصراع مفتعل والعربية لها اليوم هذا الوجه المزدوج الذي يجعل أهلها متمسكين به. فلا أحد في العالم العربي يستطيع أن يتخلى عن لهجته ولا أحد يستطيع أن يتخلى عن الفصحى التي هي وعاء جذوره وثقافته، ووسيلة طيّعة وفية للتعبير عن الحداثة.
ثم إن التقارب بين اللهجات العربية وبين العامية والفصحى نراه اليوم يسير بخطى حثيثة وذلك تحت تأثير التعليم والتثقيف والإعلام، بحيث إنه يمكننا التنبؤ بوضع تكون فيه العربية شبيهة بلغات أخرى ذات ازدواجية ضعيفة.
4.أما علاقة العربية باللغات الأجنبية كالفرنسية أو الإنجليزية، فرأْيُنا أن استخدام هذه اللغات لاكتساب العلوم هو شيء طبيعي لا بل هو أساس. والإنسان المثقف اليوم في حاجة لمعرفة المزيد من اللغات. ولكن أن تصير لغةٌ من هذه اللغات، لغتَنا الثقافية ولغةَ تعاملنا اليومي، وأن توضَع العربية في سلة المهملات وينحصر دورها في السوق والمقهى أو في المجال الأدبي وحده، فهذا ما لا يمكن أن يتقبله أي شخص عاقل.
5.دراستنا هذه واقعة أساسا في الميدان اللغوي، وقد أردنا لأغراض التبسيط وضع المفاهيم في متناول الكثير. بعض المفاهيم اللسانية الاجتماعية متداول، وبعض القواعد النحوية وارد في الكتب. فعلْنا هذا لغرض تعليمي، ولكن هذا لم يمنعنا من نهج منهج خاص بنا، والقيام بالدراسة المعمقة، وابتكار المبادئ، وإزاحة القناع عما خفي من الأسرار، ووصف ما لم يوصف، وتصحيح وجهات النظر. وذلك دون أن نكون قد مسحنا كل ما يلزم مسحه من المفاهيم لأن كل باب من الأبواب التي تطرقنا إليها في حاجة إلى كتاب كامل لِبَلِّ صدى العطشان إلى القضايا اللغوية في هذا الميدان.
ومما جاء في الكتاب - دائما نقلا عن الكاتب في صفحته الفيسبوكية - "الحروف والحركات في العامية والفصحى
2.ولو استعرضنا كل الصوامت في العامية لرأيناها لا تختلف عن صوامت الفصحى في شيء. لا من ناحية الصفات الأساسية ولا من ناحية التقابل بين الوحدات.
3.أما الحركات فهي ثلاث. الفتحة والضمة والكسرة لم تتغير ولم يضف إليها شيء. وفي الميدان النغمي فإن مد الحركات ما زال يلعب نفس الدور التمييزي في العامية وإن كان اختلاس الحركات يقلل من أهميته. ومد الحركات يجعلنا نصنفها إلى حركات قصيرة وحركات طويلة.
4.النظام الفونولوجي العامي على مستوى الحروف والحركات مطابق تماما للنظام الفونولوجي الفصيح. ومما يؤكد تطابق النظامين الصوتيين هو عدم وجود أي لكنة عند الذي شب على العامية. وفي التعليم فالنطق الفصيح لا يتطلب من المربي أي جهد لترسيخه عند الصغار. فهم بسهولة مذهلة يقرؤون النصوص الفصيحة بالطرق السليمة أو حتى المعيارية التي يتطلبها النطق النموذجي.
5.ولكننا نرى بعض الدارسين يؤكدون ، لأسباب إيديولوجية غالبا ، على التنوعات اللهجية للأصوات، مما يقود البعض إلى الاعتقاد بأن النظام الصوتي العامي يختلف جذريا عن النظام الصوتي الفصيح بل يختلف من عامية لأخرى. والخطأ في تناول القضية ناتج عن كون هؤلاء يضعون دراساتهم في نطاق الصوتيات البحتة وليس في الفونولوجيا.
التنوع الصوتي للفونيم الذي هو الوحدة المجردة المبنية على التقابل التمييزي موجود في كل اللغات وقد يكون فرديا أو لهجيا. وهو لا يغير من ثبات الوحدة المجردة. فالجيم التي تؤدى شديدة في مصر أو مشبعة بدال {دج} في العاصمة الجزائرية لا يخرجها هذا التنوع عن كونها جيما ، والقاف التي تؤدى كالهمزة في مصر وتلمسان، وكالجيم القاهرية في معظم الجنوب العربي ، تبقى فونولوجيا قافا. وفي أذهان الناطقين هذا الثبات موجود. والكتابة التي هي في مبدئها فونولوجية تعزز هذا الاعتقاد ولا تهتم بهذه التنوعات أو تضعها في صنف واحد وهو صنف الحرف الخطي الذي يمثلها كلها. ومن جهة أخرى فإننا لو تتبعنا كل هذه التأديات لوجدناها قديمة مما يؤكد أن هذا التنوع لم يأت عبثا أو أنه عيب في النطق وإنما جاء لأسباب منطقية يمكننا دراستها."